نجد القرآن الكريم أفاض كل الإفاضة فيما يتعلّق ببني إسرائيل وتاريخهم ومواقفهم مع أنبيائهم، وخصوصاً مع محررهم ومنقذهم من عسف فرعون وجبروته، وهو موسى -عليه السلام-، حتى قال بعض المفسرين: كاد القرآن أن يكون لموسى وقومه! ولكن القرآن لم يُفصل عن (الروم) أكثر من اعتبارهم روماً، أما الفرس فلم يذكر باسمهم صراحة، إنما ذُكروا ضمن أوائل سورة الروم باعتبارهم أنهم كانوا الفريق الغالب أولاً.
بينما أفاض القرآن في ذكر بني إسرائيل في سورة البقرة وقد أخذت جُل الجزء الأول، وذكروا كذلك في سورة آل عمران والنساء، وفي المائدة، وتقرأ في سورة الأعراف تفصيلات أخرى عن حياتهم مع نبيهم موسى بعد خروجهم من مصر! فلماذا هذا التكرار؟
هذا الحشد من الآيات، وتكراره في القرآن وتأكيده: دليل بالغ على أن لبني إسرائيل شأناً في حياة المسلمين، ولذا وجب أن يعرفهم المسلمون على حقيقتهم، ويعرفوا تاريخهم ومواقفهم، وسلوكهم وطبائعهم، وتعاملهم مع أنبيائهم؛ حتى يعاملوهم بما ينبغي من حرص وترقب وحذر. وفرق بين من يعامل قوماً وهو يعرف كل شيء عن معتقداتهم، وأخلاقهم وأعمالهم، وتوجهاتهم الفكرية، والنفسية، وآخر لا يعلم عنهم شيئاً أو يعلم عنهم عكس ما هم عليه.
وقد صدق التاريخ والواقع ما جاء به القرآن عن اليهود وبني إسرائيل، وفأجأنا الزمن بما نحن عليه اليوم. هم الذين كانوا في كنفنا وحمايتنا، وعاشوا قروناً في ذمة الله ورسوله والمسلمين، آمنين في ديار الإسلام، بعد أن اضطهدهم العالم كله، وطردتهم الأمم من أوطانهم، ولم يجدوا الملاذ والأمان إلا في دار الإسلام، هؤلاء أنفسهم ينقلبون على المسلمين ويغتصبون أرضهم، ويخرجون منها أهلها بالنار والدم، ويهددون العرب والمسلمين بما يملكون من قوة عسكرية، وترسانة نووية، ومساندة من القوى الكبرى.
وبهذا خرجوا من العزلة التي ضُربت عليهم، وهو خروج استثنائي من هذا الأصل العام، بسبب حبل من الناس تشبثوا به، كما قال تعالى: (ضُربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبلٍ من الناس). ولكن هذا الحبل من الناس لن يدوم لهم، ولابد أن يقطع الله هذا الحبل عنهم الذي مدّه لهم فترة من الزمن، وخصوصاً بعد عدوانهم وعتوّهم وغرورهم، وبغيهم في الأرض بغير الحق، ثم يحكمهم القانون العام الذي عاملهم بالقدر الأعلى طوال تاريخهم، من بختنصر إلى هتلر، وهو الذي يُعبّر عنه القرآن: (وإذ تأدن ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب)، وقوله تعالى: (وإن عدتم عدنا). وقد عادوا إلى الفساد والطغيان، فلابد أن يعود عليهم القدر الإلهي بالتأديب والعقاب.
وإنا لهذا القانون الإلهي لمنتظرون.
*****
العلامة د. يوسف القرضاوي -حفظه الله- من كتابه (كيف نتعامل ما القرآن العظيم)، بتصرف يسير.
نعيم الفارسي
31.05.2019
#لماذا_تكرّر_ذكر_بني_إسرائيل_ في_القرآن_كثيرا
#يوسف_القرضاوي
#كتاب_كيف_نتعامل_مع_القرآن_ الكريم
#نعيم_الفارسي
الحصول على Outlook لـ iOS