أذكر أثناء تسليمي مسودة كتابي (عزاءات القراءة) لدار شفق -وكان ذلك تقريباً في منتصف أغسطس ٢٠١٩م- أني تناقشت مع الكاتب د. منير لطفي (عبر الوتسأب) وأخبرته بما عانيت من بحث وقراءة لإخراج هذا الكتاب، فكل مقال أخرجته كان يستلزم مني إعادة قراءة كتب كنت قد قرأتها سابقاً، لكي لا أعطي صورة ضبابية وغير واضحة عن الكتاب الذي اقتبست منه فكرة أو استشهاد، ولا اعتمد على ذاكرتي التي حتماً تنسى تفاصيل كثيرة بعد شهور وربما سنوات من قراءة كتاب ما، فكان أحياناً المقال يأخذ مني أسابيع لهذا السبب، ومما لا أنساه خلال بحثي لكتابة مقالي (هل تُعير كتبك؟) أني اضطررتُ أن اقرأ من جديد أربعة كتب تتحدث عن موضوع الاستعارة وضوابطها؛ فقط لأكتب فقرة من عدة سطور حول ضوابط الاستعارة وشروطها!
فكان مما قاله لي د. منير: "آه لو يعلّم القُرّاء كم يُكابد الكُتّاب!".
وصدق فعلاً، فكثيرٌ من القُرّاء لا يعلم أن المقال الذي يُقرأ في خمس دقائق، ربما استغرق من كاتبه شهراً من البحث والقراءة والتنقيب في بطون الكتب، فالمؤلف لا بد له من فهم الموضوع كاملاً، ثم صياغته بأسلوب يكون سهل في الغالب لمن يقرأه، ثم تأتي الاستشهادات، ماذا يأخذ منها وما يدع، ثم تأتي تجربة ورأي الكاتب، كما لا بد له أن يراعي أن لا يكون المقال طويلاً يستثقله القُرّاء، أو مختصراً جداً لا يقدم شرحاً وافياً للفكرة، وغيرها من العوامل.
فهناك عوامل كثيرة، تجعل المؤلف يُعيد كتابة المقال أو الفصل عشرات وعشرات المرات، يحذف ويُضيف ويُغير فيه كثيراً، حتى يستريح للصيغة النهائية المعتمدة.
وكان أيضاً مما قلته للدكتور منير: "أني لجأت إلى ١٤٥ مرجع لكي أنجز هذا الكتاب"، فردّ عليّ قائلاً: "هذا ما دُون، وما لم يُدّون أكثر". بالفعل هناك كتب تستفيد منها مباشرة في البحث والتأليف، كأن تستشهد بقصة أو مقولة أو فكرة تأخذها منها، وهناك أيضاً كتب تستفيد منها بطريقة غير مباشرة، كأن تتأثر بأسلوب الكاتب أو طريقة عرضه لأفكاره، فتأخذ أسلوبه، وهذا التأثر غالباً يكون لا إرادياً ولا يشعر المؤلف أنه تأثر بأسلوب أو طريقة كاتبٍ ما في أحيانٍ كثيرة.
لهذا، بعد دخولي عالم التأليف، تعلمت أن لا أتعجّل في نقد أي كتاب، بل التمس العذر للكاتب الذي يبذل من وقته الكثير للبحث والتأليف؛ ليخرج لي كتاباً أقرأه في عدة ساعات، وقد استغرق تأليفه أوقاتاً طويلة. طبعاً هنا أقصد الكتب المتصلة بالبحث والتنقيب في بطون الكتب والدوريات، ولا أعني الكتب الأخرى التي لا تحتاج إلى كثرة بحث.
وأخيراً المغزى من هذا المنشور هو بعث تحية لكل باحث وكاتب، يكابد ويعاني شهورًا وربما سنوات؛ ليخرج لنا كتاباً يُفيدناً علماً وفكراً، ويُضيف لنا جديداً.
نعيم الفارسي
08.04.2020