السبت، 28 سبتمبر 2019

هل واجهتك مثل هذه الظروف الصعبة؟ (قصة)

هل تعتقد أنك مررت بظروف صعبة في أيام طفولتك؟ هل تظن أن طفولتك كانت قاسية جداً؟ لذلك لم تستطع أن تنجح في حياتك وتتغلب على المصاعب!؟ إليك هذه القصة وأحكم بعدها إن كانت ظروفك التي مررت بها أقسى من ظروفها. تحكي قصتها من خلال رسائل متفرقة رسلتها لصديقها، فتقول بما مختصرة:
"عندما كنت طفلة (٤ سنوات) كان البيت الذي عشنا فيه مؤلفاً من حجرة وحيدة، صغيرة للغاية، خالية من النوافذ، ولها باب وحيد يطل على الشارع. في تلك الحجرة عشتُ أنا وأختي (إيلينا)، وطفل لم أعرف له اسماً قط، وسيدة تُدعى (ماريا)، لم تُحدثنا يوماً عن أسرتها أو حياتها، واقتصرت صلتنا بها على الانصياع لأوامرها. كانت قاسية وفي غاية الصرامة. خلت حجرتنا من الإضاءة الكهربائية والمرحاض، فلم يكن عندما مرحاض سوى المبولة. كانت حياتنا تجري في الشارع، حيث يتعيّن عليّ الذهاب -أنا الطفلة ذات الأربع سنوات- إلى مكب النفايات صبيحة كل يوم لإفراغ المبولة المتنقلة التي نستخدمها جميعاً طوال الليل. الروائح المنبعثة من المبولة كريهة للغاية، حتى إنني كثيراً ما كنت أفرغ ما في جوفي على المبولة! أما أختي الأكبر عني بعامين، فكان عليها الذهاب إلى الصنبور لجلب الماء الذي نحتاج إليه على مدى اليوم، في حين يُحضر الطفل الفحم ويتخلص من الرماد. لم أعرف الاستحمام في طفولتي إلا عدة مرات! ولم يكن لي سوى لباس واحد فقط.
أحياناً السيدة (ماريا) توقظنا (أنا وأختي والطفل) في وقت مبكر للغاية، والظلام لا يزال مخيماً، وكأنه ليل؛ وذلك لإفراغ المبولة، وإحضار الماء والفحم. بعد ذلك تخلت السيدة (ماريا) عن الطفل الذي لم أعرف اسمه، وقالت لنا: إنه لن يعود، والده يريده أن يعيش في أحد الأديرة؛ لذلك أخذه! من دون الطفل أحسست بالتيه، بكيت، صرخت، أناديه، في ذلك اليوم شعرت أن السيدة (ماريا) في غاية القسوة أن تخلت عن الطفل!!
كذاك كانت السيدة (ماريا) بعد أن أفرغ المبولة وأختي تجلب الماء، توصد باب الحجرة علينا طوال الوقت الذي تقضيه في الخارج، وأحياناً كثيرة كانت لا ترجع إلا بالليل غير مبالية إن بقينا بلا طعام! وكنت أنا وأختي نبكي من فرط الجوع!! حتى أصبنا بأمراض كثيرة نتيجة قلة الأكل! كما كان غير مسموح لنا باللعب مع أطفال الحي. كنا نظل حبيسين الغرفة طوال النهار! وكانت السيدة كثيراً ما تضربنا ضرباً مبرحاً أنا وأختي لأدنى هفوة.
في يوم ما، مرضت السيدة (ماريا) مرضاً شديداً، وظلت حبيسة البيت عدة أيام، وآتى لها الجيران بالطبيب، وخرج الطبيب وطلب منا أن نذهب لغرفة السيدة (ماريا) لأنها تريد رؤيتنا. أسرعنا لغرفتها، وجدناها مستلقية وبين ذراعيها طفل وليد. وقالت لنا: أهداه الطبيب لي.
مع دخول هذا الطفل حياتي، بدأت المهام تزيد. حيث كان عليّ الاعتناء بالطفل وتنظيفه، رغم أنها جلبت خادمة تعتني به. وكانت السيدة (ماريا) تذهب في الصباح ولا تعود إلا في ساعات متأخرة من الليل. وكنت أيضاً كل سبت أذهب إلى النهر برفقة الخادمة لكي تساعدني في غسل الثياب. وذات يوم هبت عاصفة شديدة وتشبثت في شجرة وكدت أغرق في النهر لولا أن أنقذني الرجال المتواجدون هناك.
بدأ الطفل يكبر، وبدأت السيدة (ماريا) معنا أكثر قسوة، ولأنها كانت تضرب واحدة منا، فتبكي الأخرى أيضاً، قررت أن تضربنا معاً في كل مرة، أياً كانت المخطئة. وفي يوم قالت لنا السيدة (ماريا): "لولاكما لكانت لي حياة غير هذه الحياة، لولاكما لما أتيت إلى هذه البلدة البائسة. لكنكما عثرة في طريقي دوماً، وأقسم أن أتخلى عنكما في أول فرصة. والآن اغربها عن وجهي ولا تدعاني أراكما مرة أخرى وإلا أوسعتكما ضرباً".
وفي يوم لا أنساه، وضعت الخادمة الطفل في سلة الثياب، وأخذتني معها وكان الظلام شديداً حتى لم أستطع رؤية الطريق، وقالت لي إننا ذاهبون إلى النهر. ومشينا كثيراً وفجأة سلكت درباً ضيقاً طويلاً، حتى وصلنا إلى بيت أبيض كبير، وطلبت مني الخادمة أن انتظرها هنا، تابعتها بعيني، فرأيتها تسير على أطراف أصابعها خفيفاً، دنت من البوابة، حيث وضعت الطفل. حينها أدركت أننا قد ذهبنا لنتخلى عنه. ارتعشت ساقاي، وإذا بي أثب كالزنبرك صوب الطفل، أدركتني الخادمة وأمسكت بإحدى ساقاي، ألقيت بنفسي ورحت أضرب الأرض برأسي. شعرت بالاختناق. جعلت الخادمة تتوسل إليّ بأن لا أحدث ضجة والمسارعة بالذهاب. أعتقد أني في تلك اللحظة (٤ سنوات كان عمري حينها) تعلمت معنى الظلم دفعة واحدة، ولسوف يبقى ذلك اليوم هو أقسى أيام حياتي! حكت لي الخادمة فيما بعد أني بقيت عاجزة عن النطق ثلاثة أيام من هول الصدمة. فهذا ثاني طفل تتخلى عنه السيدة (ماريا).
وفي يوم ما، قالت السيدة (ماريا) وكان برفقتها رجل، أننا سنرحل من هذه القرية، وقد جهزت لنا من يحملنا، وأنا وهذا الرجل سنتقدمكم وسنلتقي بكم هناك في محطة القطار. وحين وصلنا أنا وأختي إلى محطة القطار، لم نجدها ولم نجد الرجل الذي كان معها، لقد رحلت ولم تنتظرنا!! توجه من حملونا يسألون عنها، فأخبروهم أنها رحلت في القطار، فرحت أنا وأختي نبكي ونقول: لقد تخلت عنا. وتحلق الناس حولنا، وظل يسألوننا: من اسمكما، وما اسم بابا وماما؟ وجاء الشرطي والكاهن، ولكنها لم يفلحا لعدة أيام للوصول إلى السيدة (ماريا)، ولم ترجع السيدة (ماريا) لتسأل عنا. لقد قررت التخلي عنا وتركنا.
حينها تقرر وضعنا في الدير، وهناك بدأت مأساة شديدة لي ولأختي، حيث القسوة والإهانات، والعمل لمدة ١٠ ساعات متواصلة بدون رحمة، حيث لا يعرفون إذا كنت طفلا أو كبيراً، أصبت بالحول لشدة عملي في التطريز. معاناة ظلت حتى قررت الهرب مشياً على الأقدام من الكنيسة بعدما بلغ عمري ١٩ عاماً".
هل تعرف من هذه المرأة؟ إنها الكاتبة والرسامة المبدعة الكولومبية (إيمّا رييس) (١٩١٩-٢٠٠٣م). والتي لقبت فيما بعد بـ (الأم الكبيرة).
وهل تعرف من هي السيدة (ماريا)؟ إنها أمها، وقد تخلت عنها لأنه كانت ابنة غير شرعية. 
تعلمت (إيما رييس) القراءة بعد سن العشرين؛ لأنها كانت معزولة عن العالم الخارجي قبل ذلك. ومع ذلك استطاعت أن تبدع وتصبح فنانة مؤثرة، واستطاعت أن تعقد صداقات مع شخصيات عالمية شهيرة.
وقد كتبت مذكراتها بتشجيع من الروائي الشهير (ماركيز)، وأذهلت العالم بما روته فيها من سيرتها التي اسمتها (بريد الذكريات) وقوة تذكرها للأحداث في طفولتها.
وقد قرأتها وتأثرت بها كثيرا، فقررت أن ألخص قصتها، لتعرف أن لا شيء يُعيقك عن النجاح إذا قررت ذلك.
والآن أخبرني: هل عانيت مثل ما عانت (إيمّا رييس)؟ 
كتبه ولخصه: نعيم الفارسي
28.09.2019
#نعيم_الفارسي

الحصول على Outlook لـ iOS

الأحد، 22 سبتمبر 2019

كف عن الشكوى المستمرة.. ريتشارد كالسون

لا شك أنك تدرك جيداً عند الحديث مع الآخرين عن الأشياء التي مرت بك خلال يومك، تميل لذكر الأمور السلبية التي حدثت لك. وإذا سألك أحدهم: "كيف كان يومك؟" تقول: "لقد كان يوماً سيئاً". وإذا فصلت القول، فقد تذكر أنك لم تجد وقتاً كافياً لإتمام عملك، وتذكر الخلافات والمشكلات التي مرت بك، والأشخاص الأفظاظ الذين تعاملت معهم، ومديرك الذي لا يكف عن توجيه الأوامر إليك، وكل الأمور التي حدثت على غير ما يرام.
ولا شك أنك محق في كثيرٍ مما تذكره، فإن معظم البشر يكون يومهم مثقلاً بالهموم والمشكلات والمصاعب. ولكن: هل كل هذه النظرة السلبية تشمل اليوم كله، أم جزءاً منه؟ هل تصف يومك كما حدث بالضبط، أم تصف أحداثاً معينة تختار ذكرها ومناقشتها مع الآخرين؟
أرجو منك الآن أن تكون صادقاً تماماً مع نفسك وأنت تُجيب عن هذه الأسئلة التالية عن آخر يوم ذهبت فيه للعمل: هل توقفت لتناول القهوة وأنت في طريقك إلى العمل؟ هل حصلت على وقت راحة لتناول الغداء؟ هل كان الغداء لذيذاً؟ هل دخلت في أي حوارات مع آخرين أثناء يومك؟ هل خطرت لك أية أفكار جديدة؟ هل شاهدت أي مناظر جميلة أو مناظر طبيعية؟ هل سمعت أي طرفة جميلة؟ هل أثنى عليك أحد؟ هل استمعت لبرنامج شيق في سيارتك؟ هل قمت بحل أي خلافات؟ هل حصلت على أموال؟
إذا كانت ردودك على الأسئلة السابقة إيجابية، فإن أيامك أسعد من أيام غالبية البشر. وهذا لا يعني في الوقت نفسه أن تظن أن يومك كله رائع. إننا عندما ننظر جيداً للأسئلة السابقة يتضّح لمعظمنا أنه ليس كل أيامنا سيئة.
إنني عندما أركز على النقاط الإيجابية التي حدثت في يومي، فإن عيني تتفتح على رؤية عالم جديد. لقد أصبحت أدرك الآن أن هناك جوانب ممتعة كثيرة خلال يومي لم أكن أراها من قبل. لم أعد الآن أتجاهل حوارتي ومناقشاتي المجدية مع الآخرين، ولم أعد أتجاهل التحديات المثيرة التي أستمتع بمواجهتها، ولا علاقاتي الطيبة مع أصدقائي وغيرهم من الناس. ولا شك أن نظرتي تغيّرت كثيراً؛ ولهذا لم تعد تضايقني صغائر الأمور التي لا بد من التعامل معها يومياً. وأنا واثق أنك تستطيع أن تكون كذلك.
*****
د. ريتشارد كالسون.. من كتابه (لا تهتم بصغائر الأمور في العمل)، بتصرف.
23.09.2019
نعيم الفارسي