الجمعة، 3 يناير 2020

كتاب واحد قلّب حياته رأساً على عقب وجعله يُشار إليه بالبنان

وُلد في أسرة ثرية بارزة، لكنهُ عانى منذ ولادته مشكلات صحية كبيرة جعلت حياته في خطر: مشكلة في العينين جعلتهُ أعمى لفترة مؤقتةخلال طفولته، ومرض فظيع في البطن جعله يتقيأ كثيراً وأرغمه على اتباع نظام غذائي غامض شديد الحساسية، ومشكلات في السمعأيضاً، وتشنجات ظَهر شديدة إلى حد يُبقيه عدة أيام عاجزاً عن الجلوس أو الوقوف منتصب القامة.
ونتيجة مشكلاته الصحية هذه، أمضى معظم وقته في البيتلم يكن له أصدقاء كُثر، ولم يكن أداؤه المدرسي جيداًلكنه كان يُمضي أوقاتهفي الرسمكان ذلك الشيء الوحيد الذي أحبّه، والشيء الوحيد الذي أحس أنهُ جيد فيهلكن المؤسف أنّ أحداً غيره لم يكن يرى أنه جيد فيالرسموعندما كبر وصار رجلاً، لم يقبل أحد شراء لوحاتهومع مضي السنين، بدأ أبوه يسخر منه، ويقول له إنه كسول عديم الموهبة.
في تلك الأثناء صار شقيقه الأصغر روائياً صاحب شهرة عالميةوأما شقيقته، فقد كانت تكسب دخلاً جيداً من الكتابة أيضاًأما هو، فقدكان الشخص الفاشل في الأسرة، كان الخروف الأسودفي مسعى أخير لإنقاذ مستقبله، قرّر والدهُ استخدام علاقاته الواسعة، لتأمين قبولله في كلية الطب بجامعة (هارفارد)، وقال له: "إن هذه هي فرصتك الأخيرة، وإذا أخفقت فيها، فأنت شخص لا أمل فيك".
لكنه لم يكن مرتاحاً أبداً في الجامعة، ولم تُعجبه دراسة الطب على الإطلاقمضت بضع سنوات، ثم ترك كلية الطب رغم عدم رضا والده عنذلكوفضّل الابتعاد عن والده بدلاً من مواجهة غضبه الحارقفالتحق ببعثة أنثروبولوجية إلى غابات الأمازون الخطيرةكان هذا فيستينيات القرن التاسع عشر، عندما كان السفر بين القارات أمراً شاقاً تحفه المخاطر.
إلا أنه تمكن من الوصول إلى الأمازون حيث بدأت المغامرة الحقيقيةوصل إلى هناك، ومرض هناك، حيث التقط مرض الجدري في أول يومله بعد وصوله، وكاد يموت في الغاباتثم عادت تشنجات ظهره، وكانت مؤلمة إلى حد جعله عاجزاً عن المشيمما جعل بقية أفراد البعثةيتركوه في غابات أميركا الجنوبية من غير أن يعرف كيف يعود إلى بلادهوكانت رحلة طويلة تستغرق شهوراً حتى يعود.
لكنه تمكن على نحو ما، من العودة إلى موطنه، حيثُ استقبله والده الذي بلغت خيبة أمله فيه حدوداً لم تبلغها من قبلكان صاحبنا في ذلكالوقت عمرهُ قارب الثلاثين عاماً، ولم يزل من غير عملكان فاشلاً في كل شيء حاول القيام به، وكان جسده الضعيف يخونه مع عدم وجود مايسمح له بالأمل في أنّ صحته ستصير أحسنلقد أخفق في كل شيء، وبما أنّ المعاناة وخيبة الأمل رافقاه طوال هذه الفترة، فقد أُصيبباكتئاب عميق، وبدأ يضع خُطط لإنهاء حياته.
لكنهُ جلس ذات ليلة وقرأ محاضرات للفيلسوف الأمريكي (تشارلز بيرس) (1839-1914م)، فجعلته تلك القراءة يُقرّر إجراء تجربة صغيرةفكتب في يومياته أنه سيمضي سنة كاملة يعتبر نفسه مسؤولاً مئة بالمئة عن كل ما يحدث في حياته، مهما تكن أسباب ما حدثوسيفعلخلال تلك السنة كل ما في وسعه لتغيير ظروفه مهما يكن احتمال فشله في ذلك كبيراًوإذا لم يتحسّن شيء خلال تلك السنة، فسيكون منالواضح أنه عاجز حقاً، وغير قادر على مواجهة الظروف المحيطة به، وسوف يُنهي حياته في تلك الحالة.
فما النتيجة؟لقد صار أبو علم النفس الأميركي، وتُرجمت أعماله إلى عشرات اللغات، وصار الناس يعتبرونه واحداً من أكثر المثقفين/الفلاسفة/علماء النفس أثراً ونفوذاً في جيلهوصار مدرساً في جامعة (هارفارد)، وتجول في أنحاء الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا مُلقياًمحاضراتهوقد تزوج وأنجب خمسة أطفال، وصار واحداً منهم كاتب سِير شهير، وحاز على جائزة (بوليتزر) للآداب.
هل عرفتم من هذه الشخصية الشهيرة؟
إنه الأمريكي (وليم جيمس) (1842-1910م) المشهور بلقب أبو علم النفس الحديث، وأخوه الأصغر هو (هنري جيمس) الروائي الشهير، وابنهكاتب السِير هو (هنري جيمس).
*****
كتاب (فن اللامبالاة)، لـ (مارك مانسون)، بتصرف.
04.01.2020
#نعيم_الفارسي
#كتاب_واحد_قلب_حياته_رأساً_على_عقب