الجمعة، 1 مايو 2020

قصة الشاعر (إرنست ليساور).. قصة فيها عبرة.

يروي الأديب النمساوي (ستيفان تسفايج) (١٨٨١-١٩٤٢م) في سيرته (عالم الأمس) هذه القصة فيقول (بتصرف):
"خلال حرب ألمانيا مع بريطانيا عام ١٩١٤م (الحرب العالمية الأولى)، اعتقد معظم الكُتّاب أن أفضل مساهمة لهم هي تقوية حماسةالجماهير، ودعم الحرب بالنداءات الشعرية، وأن يلهبوا مقاتليهم بالأغاني والأشعارومن الواضح أنهم كانوا يخونون بذلك الرسالة الحقةللشاعر، المحافظ على إنسانية البشر الشاملة، وحاميها.
وأرى حالة الشاعر الألماني (إرنست ليساور) هي الحالة الأكثر النموذجية وإثارة لتلك النشوة الصادقة التي سرعان ما تحولت إلى نشوةتافهةكنت أعرفه حق المعرفةلقد كتب قصائد قصيرة وهشة وحادةكان ابن أسرة ثرية ألمانيةولما اندلعت الحرب، سارع للتطوع، وكانشخصاً سميناًفرُفض طلبه، ولذلك أراد أن يخدم ألمانيا بالشِعرفكتب قصيدة (ترنيمة الكراهية)، يوضح فيها بأن بريطانيا هي العدو الأكبرلألمانيا، وهي مسؤولة عن الحرب، ويدعو إلى ألا تغتفر جريمتها إلى الأبد.
ويبدو أنه من السهل إثارة الكراهية لدى الناس؛ فانفجرت القصيدة مثل قنبلة موقوتة في مستودع ذخيرةوربما لم تلقَ قصيدة ألمانيا أخرىرواجاً سريعاً مثل هذه القصيدة السيئة الذكراغتبط الأمبراطور ومنح (ليساور) وسام النسر الأحمر، وأُعيد طبع القصيدة في كل الصحف،وقرأها المعلمون للأولاد في المدارس، والضباط للجنود، حتى حفظ كل واحد القصيدة عن ظهر القلب.
وكأن ذلك لم يكن كافياً، فلُحنت القصيدة القصيرة، وغُنيت في المسارح، فلم يبقَ شخص واحد من ٧٠ مليون ألماني لم يعرف قصيدة (ترنيمةالكراهية) من أولها إلى آخرهاوما لبث أن عرفها العالم كلهوبين ليلة وضحاها، أحرز (ليساور) شهرة لم ينلها أي شاعر في تلك الحربولكنها شهرة قُدّر لها أن تحرقه مثل قميص (نيسوس)!
فما أن انتهت الحرب، وسعى التجار إلى استئناف التجارة، والساسة إلى التفاهم المتبادل، حتى فُعل كل شيء للتنصل من القصيدة التيطالبت بالعداء مع بريطانياوابتغاء التخلص من اللوم، شُهّر بـ (ليساور) باعتباره المذنب الوحيد في هذا الاهتياج المجنون للكراهية، والذيشارك فيه الجميع في الحقيقة، من الأعلى إلى الأسفل في عام ١٩١٤موصار كل من احتفى به عام ١٩١٤م يصده بلا مواربة عام ١٩١٦موتوقفت الصحف عن نشر قصائده، وحين كان يظهر بين زملائه، كان يُخيم صمت ملحوظوأخيراً طرده (هتلر) من ألمانيا التي كان متعلقاً بهاتعلقاً أصاب شغاف قلبه، ليموت منسياً، ويكون ضحية محزنة لقصيدة لم ترتفع به عالياً إلا لتهوي به أسفل سافلين".
تلخيص: نعيم الفارسي
26.04.2020
#قصة_إرنست_ليساور
#كتاب_عالم_الأمس
#ستيفان_تسفايج
#نعيم_الفارسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق