إذا كنا نتسّخط ونتبّرم ونسب الدهر ونلعن القدر كلما أصابنا مكروه، فنحن في ذلك أشبه بالطفل، يسوقه أبوه إلى مشرط الجراح ليستأصل له سرطاناً قبل أن يستشري، فلا يرى الطفل في هذا العمل إلا جانب العدوان والمجزرة الدموية التي يجهز لها السكاكين والمشارط، ولا يرى النفع الباطن في هذا الضرر الظاهر. ويقابل العملَ بزوبعة من الصراخ والاحتجاج، والسب واللعن، ويحكم على الأمر بأنه ظلمٌ كله، والأب طوال الوقت لا يحدوه إلا الرحمة، وهو قد قضى على ابنه بهذا الضر محبةً منه. ولو أنه تركه إشفاقاً عليه؛ لكانت هذه الشفقة ضرراً أعظم وإهلاكاً ظالماً للطفل في غير عدل.
وبالمثل لا يستطيع أن يتصور ذلك الرجل الذي فقد بصره أو فقد ساقه، ماذا كان سيفعل ببصره أو ساقه لو لم يصبهما ما أصابهما؟ ولا يستطيع أن يتنبأ بما يمكن أن يُؤدي إليه فقد حاسة من حواسه إلى نبوغ في ناحية أخرى أو ظهور لموهبة جديدة كانت خاملة؛ وإنما هو ينظر كالطفل إلى الحادث مبتوراً من سياق الزمن، ويكتفي بأن يحكم عليه حكماً مبتوراً!
الفيلسوف د. مصطفى محمود -رحمه الله- (١٩٢١-٢٠٠٩م). [كتاب (روائع د. مصطفى محمود). إعداد: عمر باعطية].
أبو نور
03.11.2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق