السبت، 10 فبراير 2018

أرقى انتقام.. نعيم الفارسي

ما أجمل أن تنتقم -بطريقة حضارية- ممّن ثبطوك وحبّطوك وقالوا لك بأنك لا تستطيع أن تُحقق أحلامك؛ وذلك بأن تُصر على محاولة تحقيق حلمك حتى تُحققه، وتُثبت لهم أنك قادر على الوصول إليه بإذن الله، بدل من أن تقوم بالانتقام بإيذاءهم والكيد لهم. يقول الكاتب الفلسطيني (أدهم شرقاوي) في كتابه (وإذا الصُحف نُشرت):
"(إلى مدّرس اللغة العربية الذي قذف دفتر التعبير في وجهي وقال لي: ستموت قبل أن تكتب جملةٌ مفيدة). هذه الكلمات هي إهداء أول كتاب لي أصدرته، كنتُ أتمنى أن أُهدي كتابي الأول لأمي أو أبي، ولكن حين يؤذيك أحدهم حتى العظم، تفكر أن تنتقم! نعم في الأمر انتقام مهما بدت الطريقة حضارية! وإن أرقى انتقام أن تُهدي نجاحك لأولئك الذين تنبّبؤوا بفشلك!". 
والآن أدهم شرقاوي، كتبه من أكثر الكتب مبيعاً، وعليها طلب كثير جداً، فمقالاته سلسلة ومشوقة ومفيدة وممتعة في نفس الوقت، ولم يكتب جملة مفيدة؛ بل كتب كتباً كثيرة مفيدة أثّرت في الكثيرين؛ أما معلم اللغة العربية الذي قال له هذا الكلام، فإنا لا نعرفه وليس له أي أثر.
وكذلك يروي الروائي السوداني (أمير تاج السر) قصته في كتابه (الكتابة شيزوفرينيا)؛ فيقول: "منذ سنوات طويلة، وفي أيام البدايات، كنت أقف أمام جناح لناشر عربي معروف، في أحد معارض الكتب التي أحب زيارتها، وغالبا ما أقتني ما أريده من تلك المعارض، ويغنيني عن الزيارات المتقطعة للمكتبات. كنت أتأمل الكتب المرصوصة بصبر وأناقة، وأفكر في اقتناء كتاب لسليم بركات، أو جورج طرابيشي، أو واحد من كتب التراث التي لم أقرأها بعد، حين وقف بجانبي ناقد أعرفه منذ بداياتي الأولى، ولم يقل شيئا عن تجربتي، لا سلباً ولا إيجاباً، وفي الغالب لم يقرأ منها شيئاً. قال: هل تبحث عن مكان لاسمك هنا، ووسط كل هؤلاء الكتاب؟ لن يحدث ذلك أبداً، خذها مني ثقة. ثم انصرف، يمشي بخيلاء"، وعلق بعدها (السر) قائلاً: "لقد غادرت جناح دار النشر، في ذلك اليوم، وثمة بذرة شريرة من الارتباك انغرست في معنوياتي، غادرت المعرض كله، وجلست بعيداً أفكر: هل من الممكن فعلاً، أن لا أجد لي مقعداً وسط كل أولئك الكتاب؟ هل هناك أمل في شيء؟ وعدت في اليوم الثاني، وما زالت بذرة الإرتباك مغروسة، وازدادت اشتعالاً، حين شاهدت الناقد نفسه، يقف مع كاتب مبتدئ آخر، لا بد سيغرس في معنوياته البذرة نفسها. لكن وبمرور الوقت، تعود الروح القتالية للمقاتل بلا شك، هذا شيء تعلمته من عملي الطبي، بعيداً عن الثقافة، لا شيء غير ممكن أبداً، وكنا نرتق المصارين الممزقة بالمدى المسنونة، والسيوف في مدن هامشية بعيدة عن التحضر، وليس فيها إمكانية لحشو ضرس مسوس، ويقوم المطعونون من موتهم، ويذهبون". والآن (أمير تاج السر)، من أشهر الروائيين، ورواياته ومقالاته تقرأ كثيراً، وأما الناقد فلا نعرفه. فأمير تاج السر لم يُدمره هذا الموقف؛ بل جعله يتحدى أكثر؛ وبالفعل نجح وأصبح له مكان متميز بين الروائيين والأدباء.
من لديه هدف يسعى لتحقيقه؛ لن يهزمه شيء؛ ولن يتعذر بأي أعذار كقلة الوقت أو فوات العمر أو محاربة الناس له والوقوف في طريقه؛ أو بأي أعذار أخرى. ولن يتعذر أيضاً بكلام قاسي سمعه من أحدهم؛ بل سيجعل من هذا الكلام؛ وقوداً يدفعه أكثر على الإصرار لتحقيق هدفه، فكلما ضعفت همته؛ تذكر الكلام القاسي؛ فحمّسه وجعله يواصل السعي لتحقيق هدفه. وفعلاً: "إن أرقى انتقام: أن تُهدي نجاحك لأولئك الذين تنبّبؤوا بفشلك!".
لا تتخلوا عن أحلامكم بسبب كلام المُثبّطين؛ بل اثبتوا لهم أنكم قادرون على تحقيقها.
*****
نعيم الفارسي
10.02.2018
#انتقم_لنفسك
#أمير_تاج_السر
#كتاب_الكتابة_شيزوفرينيا
#أدهم_شرقاوي
#كتاب_وإذا_الصحف_نشرت

#كتب_قراءة_نعيم_الفارسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق