الجمعة، 25 مايو 2018

لم تأتِ بعد! عبدالوهاب مطاوع

سأظلُّ أُرددها وراء الشاعر التركي (ناظم حكمت) ولن أملّ:
"أجمل الأنهار لم نرها بعد..
أجمل الكتب لم نقرأها بعد..
أجمل أيام حياتنا لم تأتِ بعد!".
فلقد كتبها في رسالةٍ إلى زوجته من سجنه يشدُ بها أزرها وأزره. ويقاوم بها اليأس من اجتماع الشمل واستعادة أيام السعادة والحرية. ولم تكن كل الظروف حوله تُبّشر باحتمال تحقيق ما يصبو إليه، ورغم ذلك، فلم تمضِ فترةٌ طويلةٌ حتى خرج من سجنه وأنشد مع زوجته أناشيد السعادة.
ومنذُ قرأتُ هذه الأبيات الجميلة وأنا أستعين بها على لحظات السأم والقنوط التي تعترض حياة أي إنسان، وأُنشدها لنفسي حين يتكتّف الهم في صدري، وأستعيدها صامتاً في ذهني في أيام المحن والشدائد.
فتجارب الحياة قد علّمتنا منذ زمن طويل أنه لا شيء يتجمّد في موقعه إلى الأبد، وأنّ الفلك دائماً دوّارٌ يحمل الجديد والغريب كل حين، وأنّهُ بغير التطلّعُ دائماً إلى الغد بقلبٍ يرجو رحمة ربه ويخفق دائماً بالأمل؛ لا يستطيع أحدٌ أن يتحمّل الحياة أو يُحقق أهدافها فيها الآن أو غداً أو في أي وقت؛ لأنّ السأم عدو السعادة، ولأنّ اليأس والإحباط أعدى أعداء الإنسان؛ ولانه إذا ثبّت المرء عينيه على أوضاعه وتصوّر أنها سوف تستمر بنفس ظروفها إلى ما لا نهاية، لما غادر فراشه، ولما شارك في مباراة الحياة بحماس الراغبين في الفوز وتحقيق الأحلام.
والحق أن الإنسان دائماً يحتاج إلى أن يُجدد حياته من حينٍ إلى آخر، بإشعال شمعة جديدة من شموع الأمل في حياته كلها كُلما ذابت شموعه الأولى، وبالسعي دائماً وراء هدف مشروع لا يتخلّى عنه، وبألا يستسلم للإحباط مهما كانت البدايات غير مُبّشرة، ومهما عرقلت الصعوبات والعثرات طريقه، فكل الذين حقّقوا نجاحهم في الحياة قد فعلوا ذلك، ولم يقولوا أبداً: "ضاع العمر يا ولدي! ولم يعد هناك وقت لكي نبدأ من جديد أو لكي نُحقق الآمال التي طال انتظارها لنا".
فالإنسان قادرٌ على أن يكتسب مهارات جديدة في أي مرحلة من العمر يستعين بها على مقاومة السأم واليأس والقنوط. وإن الطريق المسدودة لن تبقى مسدودة أمامنا إلى النهاية، ولا بد أن يحصل كل إنسان على ما يستحقه من نجاحٍ ومن سعادة ومن توفيقٍ. وإن الانصاف سوف يجيء في موعده أو متأخراً، في الدنيا أو في الآخرة؛ لكنه لا بد أن يجيء لكل من بذل العرق وتسلّح بالإرادة والكفاح وعمل صالحاً يرضاه ربه، وسعى إلى أهدافه بالوسائل المشروعة، واحترم فكرة الحياة؛ فلم يُؤذِ أحداً ولم يُدّمر حياة أحد.
فإن شكوتَ -يا صديقي- من زحام الطريق إلى الأهداف، ومن الملل وطول الانتظار، فردد معي كلمات (ناظم حكمت)، ولا تفقد الثقة لحظة واحدة في أحقيتّك أن تنال حظك من السعادة والنجاح. وإن اشتدّ الظلام حولك، فردد معي مناجاة شاعر الهند العظيم (طاغور) لربّه: "ربِّ امنحني القوة لكي أصبر على الأتراح والأفراح، ربِّ امنحني القوة لأسمو بروحي فوق توافه الحياة".
*****
الأديب المصري عبد الوهاب مطاوع (١٩٤٠-٢٠٠٤م).[كتاب (مختارات خالد)، للدكتور خالد المنيف. بتصرف].
نعيم الفارسي
26.05.2018
#لم_تأتِ_بعد
#عبدالوهاب_مطاوع
#كتاب_مختارات_خالد
#خالد_المنيف

#كتب_قراءة_تفاؤل_نعيم_الفارسي

الأحد، 20 مايو 2018

شهر رمضان.. أحمد حسن الزيات

شهر رمضان هو ربيع الأرواح، فهو صيامٌ للجوارح عن الأذى، وفِطامٌ للمشاعر عن الهوى، يستقبله الناس بعد أحد عشر شهراً قضوها في صراع المادة وجهاد العيش، تكدّر فيها القلب، وتبّلد الحس، وتلّوث الضمير، فيجلو صدورهم بالذكر، ويُطّهر نفوسهم بالعبادة، ويزود قلوبهم من مذخور الخير بما يقويها على احتمال الفتن والمحن في دنيا الآمال والآلام بقية العام كله. لذلك كان رمضان في الشرع الإلهي، طهوراً من رجس العام، وهدنة في حرب القوت، وروحاً في مادية الحياة.
رمضان هو التمرين الرياضي السنوي للنفس، يشترك فيه المسلمون في جميع أقطار الأرض، يصومون في وقت واحد، ويفطرون في وقت واحد، وينصرفون عن اللذات الحسية والنفسية؛ ليتجهوا بالتأمل والتعبّد والخشوع إلى الله، فيغضوا أبصارهم عن المنكر، ويكفوا ألسنتهم عن الفحش، ويصموا آذانهم عن اللغو، ويغلوا أيديهم عن الأذى، ويصدوا أهواءهم عن السوء، وتلك هي العناصر الجوهرية لعقيدة الصوم.
وهذه القيود والحدود التي تضمنها معنى الصوم هي المجاهدة التي تُعوّد الإنسان ضبط النفس وقوة الإرادة. وضعف الإرادة إنما يقوى برياضة النفس على الحرمان المؤلم، كما يقوى الجسم برياضة البدن على الجهد العنيف، وكما يقوى العقل برياضة الذهن على التفكير العميق، والرياضة الروحية هي حكمة الصيام في الأديان كلها: (يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
وإن للجوع أثراً شديداً في تصفية النفوس وتلطيف الطباع؛ لأن كدر النفس يكون في الأكثر من كدر الجسد، وقد قالوا: "إن البِطنة تُذهب الفطنة"؛ لذلك اتخذ كثيراً من أئمة الدين الجوع سبيلاً إلى تهذيب النفس وتقوية العقل وإذكاء الروح.
أديب العربية (أحمد حسن الزيات) (١٨٨٥-١٩٦٨م). من كتابه (وحي الرسالة-الجزء الرابع)، بتصرف كثير.
نعيم الفارسي
21.05.2018
#شهر_رمضان
#أحمد_حسن_الزيات
#كتاب_وحي_الرسالة_الجزء_الرابع

#كتب_قراءة_نعيم_الفارسي