الجمعة، 19 يوليو 2019

إنه الإصرار يصنع الأعاجيب.. (قصة إسحاق بن حنين).. نسيم المجلي

كان الطبيب والعالم والمترجم (إسحاق بن حنين) رائد مدرسة من العلماء العرب الذين شكّل اشتغالهم بالعلوم الإغريقية مرحلة الانتقال من التلّقي إلى الإبداع، ولم يكن (إسحاق بن حنين) مجرد عالم بارز أو مترجم نادر فقط (فقد ترجم لقرابة ١٠٠ كتاب من اليونانية إلى السريانية و٣٧ كتاباً إلى العربية)، وليس فقط كفقيه لغوي ومؤلف لعدد من كتب فقه اللغة العربية، بل أكثر من ذلك. ويكفي أن تعلم أن كتاب (العشر مقالات في العين) الذي ألفه (إسحاق بن حنين) هو أقدم كتاب مؤلف على الطريقة العلمية في طب العيون، وأن جميع أطباء العيون المتأخرين قد اقتبسوا من ذلك الكتاب وشرحوه.
كما كان (إسحاق بن حنين) طبيباً لأربعة خلفاء من العباسيين وموضع ثقتهم ورعايتهم. وقد عيّنه (المتوكل) عميداً لدار الحكمة (أهم وأعظم معهد علمي ثقافي في تلك الفترة، بل تعد أكاديمية عظيمة وجامعة راقية) حيث جمع حوله عدداً من التلاميذ النجباء، جعل منهم (إسحاق بن حنين) مدرسة للبحث العلمي وترجمة العلوم الطبية والفلسفية، ولقد أدت حركة الترجمة إلى إزدهار الحضارة العربية الإسلامية التي أضاءت بلاد الشرق في الوقت الذي رانت فيه حجب الجهل والظلام على كل بلاد أوربا.
لكن كيف تصدّر (إسحاق بن حنين) ووصل إلى ذُرى المجد وصار موضع ثقة أربعة خلفاء؟!
في بغداد بداية لزم (إسحاق بن حنين) مجلس الطبيب الشهير (يوحنا بن ماسويه)، والذي كان أعم مجلس في التصدي لتعليم الطب، وكان يجتمع فيه أصناف أهل الأدب، وكان (إسحاق) ظمأناً إلى المعرفة، مولعاً بالطب، وكان مواظباً أيضاً على بيت الحكمة البغدادي. لكن (إسحاق) لم يستكمل دراسته على يد أستاذه (يوحنا بن ماسويه) لأن (إسحاق) كان صاحب سؤال، وكان يصعب على (يوحنا) إجابة كل أسئلته. وفي يوم من الأيام أحرج (إسحاق) أستاذه بسؤال حول كتاب (فرق الطب)، فنهره (يوحنا) بغطرسة وقال له: "ما لأهل الحيرة وتعلم الطب! عليك ببيع القلوس على الطريق"، أي يعمل بائع سريح. وأمر (يوحنا) تلميذه (إسحاق) أن يخرج من داره، فترك (إسحاق) المجلس وخرج باكياً، وصمم على التحدّي حتى يتفوق الجميع، وأقسم أن لا يتعلّم الطب حتى يُحكم اللسان اليوناني إحكاماً لا يكون في دهره من يحكمه إحكامه.
وبالفعل وبعد عدة سنوات تفوق (إسحاق) على أستاذه (يوحنا)، بل صار -كما ذكرنا- يدرس ويعلم أذكى التلاميذ، وصار يحكم اللساني اليوناني إحكامه لا يستطيع أحد أن يجاريه فيه.
إنه الإصرار والتحدّي، يفعل الأعاجيب.
*****
كتاب (شخصيات لها تاريخ)، لـ (نسيم المجلي)، بتصرف كثير.
نعيم الفارسي
20.07.2019
#إسحاق_بن_حنين
#كتاب_شخصيات_لها_تاريخ
#نسيم_المجلي
#نعيم_الفارسي


الحصول على Outlook لـ iOS

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق