يتحدّث الروائي الروسي العملاق (مكسيم غوركي) (١٨٦٨-١٩٣٦م) في سيرته (بين الناس)، -وهي الجزء الثاني من سيرته الذاتية-، عنج دته وكيف أنها كانت تُحب مساعدة الفقراء، حيثُ تخرج في منتصف ا لليل لتضع المال والأكل على نوا فذهم. ويقول بأنه أخبرته بأن جد ه (أيزوجها) أمسى مفلساً لا يمل ك مالاً؛ لأنه لم يساعد الفقراء ولم يُشفق على المساكين. ثم يُ سجل هذا الحوار الذي دار بينه و بين جدته، وذلكعندما كان غلاماً وكان لتوه قد خرج من المستشفى بعد احتراق يديه، حيثُ قالت له:
~ هل ستذهب معي لمساعدة الفقراء ؟ إنك لو عملت من أجل الناس؛ فإ ن يديك ستشفيان بسرعة.
ثم يقول:
وعند منتصف الليل أيقظتني جدتي برفق. أخذت يدي وقادتني في العت مة مثل أعمى. كان ظلام الليل دا مساً والهواء رطباً، الريح تعصف بلاانقطاع. وكانت جدتي تتقدّم من النوافذ الكالحة لبيوت الفقر اء باحتراس شديد، تضع على كل كع ب كل نافذة خمسة كوبيات وثلاث ق طع منالخبز.
وكنا كلما تقدمنا في المسير واب تعدنا عن البيت أكثر، كانت الأر جاء من حولنا تزداد فقراً وموات اً، وسماء الليل تتوغل في ظلام لا قرار له. اثنتاعشرة مرة توقف ت فيها جدتي تحت النوافذ ووضعت في أعتابها "صدقاتها السرية".
بعدها قالت جدتي لي: لقد حان وق ت العودة إلى البيت. وعلقت قائل ة: "سيستيقظ النساء في الغد ويج دن القليل مما وضعته! لكن حينما يكونالمرء معدوماً من كل شيء، يُصبح للقيل فائدة. إن الشعب يع يش في فاقة وعوز ولا أحد يهتم ب ه! والحقيقة هي أن نعيش لأجل بع ض؛ وحينهاسيشملنا الله برعايته" .
ثم يعلق (غوركي) قائلاً عن هذا التجربة الجميلة التي خاضها مع جدته:
"كنت بدوري أستمتع بقبس من الحب ور والسكينة، وقد داخلني شعور ب أني جربت شيئاً ما غامضاً، شيئاً لن أنساه ما حييت".
في العطاء والبذل لذة وسعادة وح بور، لا يعرفها إلا من جربها، ت فوق في لذتها لذة الحصول على شي ء كنت ترغب في الحصول عليه لفتر ةطويلة، ثم وجدته بعد ذلك وكنت قد يأست من الحصول عليه.
نعيم الفارسي
14.03.2020