الجمعة، 13 مارس 2020

السعادة في العطاء.. قصة حدثت مع (مكسيم غوركي)


يتحدّث الروائي الروسي العملاق (مكسيم غوركي) (١٨٦٨-١٩٣٦م) في سيرته (بين الناس)، -وهي الجزء الثاني من سيرته الذاتية-، عنجدته وكيف أنها كانت تُحب مساعدة الفقراء، حيثُ تخرج في منتصف الليل لتضع المال والأكل على نوافذهمويقول بأنه أخبرته بأن جده (أيزوجها) أمسى مفلساً لا يملك مالاً؛ لأنه لم يساعد الفقراء ولم يُشفق على المساكينثم يُسجل هذا الحوار الذي دار بينه وبين جدته، وذلكعندما كان غلاماً وكان لتوه قد خرج من المستشفى بعد احتراق يديه، حيثُ قالت له:
هل ستذهب معي لمساعدة الفقراء؟ إنك لو عملت من أجل الناس؛ فإن يديك ستشفيان بسرعة.
ثم يقول:
وعند منتصف الليل أيقظتني جدتي برفقأخذت يدي وقادتني في العتمة مثل أعمىكان ظلام الليل دامساً والهواء رطباً، الريح تعصف بلاانقطاعوكانت جدتي تتقدّم من النوافذ الكالحة لبيوت الفقراء باحتراس شديد، تضع على كل كعب كل نافذة خمسة كوبيات وثلاث قطع منالخبز.
وكنا كلما تقدمنا في المسير وابتعدنا عن البيت أكثر، كانت الأرجاء من حولنا تزداد فقراً ومواتاً، وسماء الليل تتوغل في ظلام لا قرار لهاثنتاعشرة مرة توقفت فيها جدتي تحت النوافذ ووضعت في أعتابها "صدقاتها السرية".
بعدها قالت جدتي لي: لقد حان وقت العودة إلى البيتوعلقت قائلة: "سيستيقظ النساء في الغد ويجدن القليل مما وضعتهلكن حينما يكونالمرء معدوماً من كل شيء، يُصبح للقيل فائدةإن الشعب يعيش في فاقة وعوز ولا أحد يهتم بهوالحقيقة هي أن نعيش لأجل بعض؛ وحينهاسيشملنا الله برعايته".
ثم يعلق (غوركي) قائلاً عن هذا التجربة الجميلة التي خاضها مع جدته:
"كنت بدوري أستمتع بقبس من الحبور والسكينة، وقد داخلني شعور بأني جربت شيئاً ما غامضاً، شيئاً لن أنساه ما حييت".
في العطاء والبذل لذة وسعادة وحبور، لا يعرفها إلا من جربها، تفوق في لذتها لذة الحصول على شيء كنت ترغب في الحصول عليه لفترةطويلة، ثم وجدته بعد ذلك وكنت قد يأست من الحصول عليه.
نعيم الفارسي
14.03.2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق