زار امبراطور الصين، في أواخر القرن التاسع عشر، مدينة (باريس)، فأعجبته القناديل التي تُضيء شوارع العاصمة الفرنسية. ثم خطر في باله أن يُزين عاصمته (بكين) بمثل تلك المصابيح.
فلما عاد امبراطور الصين إلى قصره، نادى رئيس وزرائه وقال له: لقد أعجبني منظر (باريس) في الليل، وأريد أن تُضاء (بكين) كما تُضاء (باريس)، فخذ مليون ين (عملة الصين)، وتدبّر أمر إضاءة (بكين).
رجع رئيس الوزراء إلى مكتبة ثم استدعى وزير الداخلية، وقال له: إن جلالة الأمبراطور يُريد أن تُضاء (بكين) في الليل، وهناك نصف مليون ين لهذا الغرض!
وبعد بضعة أيام أرسل وزير الداخلية إلى مدير الشرطة يستدعيه، ثم قال له: إن جلالة الأمبراطور حباً منه بخير رعيته يرغب أن تُضاء (بكين) في الليل. فخذ هذا المبلغ، ربع مليون ين؟ وابذل جهدك في أن تكون إضاءة عاصمتنا وافية.
وعاد مدير الشرطة إلى مكتبه ثم إلى بيته. وفي اليوم التالي، اتصل بمفتش الشرطة واستقدمه إليه، ثم ناوله مائة ألف ين وقال له: إن جلالة الامبراطور، حفظه الله لرعيته، قد أمر أن تُضاء (بكين) في الليل. فأحرص على أن تُنفذ ذلك بالسرعة القصوى وبالتمام والكمال.
وفي صبيحة اليوم التالي، جمع مفتش الشرطة ألف شرطي من ذوي البسطة في الجسم، وألقى فيهم خطبة بليغة تدور على اهتمام امبراطورنا المحبوب برعيته وعلى القيام بالواجب الوطني على وجهه بالصدق والإخلاص في خدمة الشعب. ثم قال لهم: إن الإمبراطور قد أراد أن تُضاء (بكين) في الليل حتى تُصبح أجمل من (باريس). ثم أعطى كل شرطي يناً واحداً وصرفهم.
فتفرّق رجال الشرطة الألف في شوارع (بكين)، وجعل كل واحد منهم يطرق كل باب يمر به، ويبلغ أصحابه رغبة الجلالة الامبراطور، ثم يأمرهم أن يُعلقوا على باب بيتهم فانوساً.
*****
الأديب اللبناني (عمر فروخ) (١٩٠٦-١٩٨٧م)، من كتابه (غبار السنين)، بتصرف، وتم نشر المقال بتاريه ٢٩ نوفمبر ١٩٨٠م.
نعيم الفارسي
18.10.2018
#هكذا_توزعت_الأموال
#عمر_فروخ
#كتاب_غبار_السنين
#كتب_قراءة_نعيم_الفارسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق