الثلاثاء، 5 نوفمبر 2019

ملاحظاتي حول سلطنة عُمان خلال زيارتي لها.. عبد الوهاب مطاوع

دُعيت منذ سنوات لزيارة سلطنة عُمان حينُ كنتُ رئيس تحرير مجلة (الشباب) عن طريق مستشارها الإعلامي بسفارتها في القاهرة. ولكن لظروف عملي لم أستطع أن أُلبّي الدعوة في حينها. ثم تغيّر السفير ودُعيت مرة أخرى فلبيتها دون أن أطلع على برنامج الزيارة وماذا سيكون فيه، لأني ظننت أنه سيكون نفسه لم يتغير منذ أن طلب مني السفير السابق الزيارة.
وصلت إلى مطار مسقط في وقت متأخر من الليل، فوجدتُ مندوباً من الجهة الداعية في انتظاري. ولفت نظري أنه شاب صغير السن قد لا يتجاوز عمره ٢٠ عاماً. وقد رحب بي الشاب وساعدني بشهامة في حمل حقيبتي. ثم اصطحبني في السيارة إلى الفندق. الطريق إلى الفندق خالٍ في هذا الوقت المتأخر من الليل، والشاب المرافق يقود السيارة بسرعة جنونية كأنما يسابق بها الريح، ويبتسم كلما رجوته أن يُخفف من سرعته، ويستجيب لرغبتي للحظات، ثم لا يلبث أن تغلبه طبيعة الشباب.
وصلنا إلى الفندق بسلام. وقدّم لي الشاب برنامج زيارتي الذي كان قد أُعد سابقاً، وعندما قرأته ذُهلت، لأن البرنامج كله سيكون لقاءات ومقابلات مع رؤوساء الاتحادات الرياضية في الدول العربية ابتداءً من رئيس اتحاد الهوكي، إلى رئيس اتحاد الكرة الطائرة، إلى سكرتير اللجنة الأوليمبة الرياضية. يا إلهي! ماذا أقول في هذه اللقاءات، لقد خدع اسم مجلة (الشباب) من أعدوا لي هذا البرنامج، بسبب الربط الشائع بين الرياضة والشباب، فتصوروا أنه من الأنسب لاهتماماتي أن التقي بمسؤولي الرياضة في بلدهم، وليس برجال الأدب والسياسة والمشتغلين بالصحافة كما هي اهتماماتي الأولى. أدركت سوف أتحرج من لفت نظر الجهة الداعية إلى عدم ملاءمة هذا البرنامج لاهتماماتي، فقررت الاستسلام لأقداري.
نهضت في الصباح منتعشاً بعد ساعات نوم هادئة في ليلتي الأولى في مسقط، وشربت قهوتي، وأخرجت ما أحمله معي دائماً من كتب أو نشرات عن الدولة التي أزورها، لأقرأ عنها قبل أن أتعرف عليها على الطبيعة. استغرقت في قراءتي لما حملته معي من كتب صغيرة عن سلطنة عمان أو (مسقط وعمان) كما كانت تعرف في التاريخ من قبل، وعرفت أن عدد سكانها في أحدث تقديراتها حوالي ١,٨ مليون نسمة، وأن نسبة الكثافة السكانية فيها قليلة ولا تكاد تتجاوز ٩ أشخاص في الكيلو. أما جامعتها فحديثة النشأة تأسست عام ١٩٨٦م..
ولأربعة أيام متتالية رحت أتنقل بين مكاتب رؤساء الاتحادات الرياضية، وأستمع إلى وجهات نظرهم في أحوال اللعبات التي يديرونها، وأستسلم في بعض الأحيان لشرودي خلال ذلك، وأجاهد لكيلا تبدو عليّ ملامح عدم التخصص أو الاهتمام. وبين كل لقاء وآخر يترفق بي المرافق فيصحبني لزيارة حصن أثري قديم. وانتهى برنامج الزيارة بسلام، ووجدتني في نهايته قد كونت فكرة لا بأس عنها عن أحوال الرياضة في عُمان، وسجلت بعض ملاحظاتي:
فقد لاحظت خلال جولاتي في أسواق مسقط ظاهرة أعجبت بها، وتعجبت منها. فقد رأيت شاباً لا يزيد عمره عن ١٩ عاماً، ومعه أخته التي لا يزيد عمرها عن ١٧ عاماً، يتسوقان في المحلات التجارية ويتشاوران فيما يشتريان، وأعجبت بأن يصطحب الأخ أخته وأن يتبادل معها الرأي بهذه الروح الأسرية الجميلة، وأبديت ملاحظتي للشاب المرافق، فاستغرق في الضحك ثم قال لي: إن هذين الشابين زوجاً وزوجة، وما زالت ظاهرة الزواج المبكر منتشرة معنا في عُمان.
ولاحظت كذلك هدوء الحياة في هذا البلد العربي بصفة عامة. ونظافة شوارعه واحترام أهله لقواعد المرور.
أما أغرب ملاحظاتي فقد تركزت على تحوّل أسواق وسط المدينة يوم الجمعة من كل أسبوع إلى سوق هندية خالصة يُخيل إليك حين تراها أنها في مدينة من مدن شبه القارة الهندية وليست في دولة عربية، فأنت لا ترى فيها إلا هنوداً من العاملين في هذه الدولة خرجوا يوم راحتهم الأسبوعية لشراء احتياجاتهم، فسدوا مداخل وسط المدينة ومحلاتها وأسواقها، حتى لينصحك الخبير إذا أردت شراء شيء من أسواق مسقط، ألا تخرج لشرائه يوم الجمعة.
وأخيراً لاحظت أيضاً انتشار العمران في المدينة، وبساطة معظم من تعاملت مع أهلها.
****
الأديب المصري (عبد الوهاب مطاوع) (١٩٤٠-٢٠٠٤م) -رحمه الله-. بتصرف من كتابه (الرسم فوق النجوم).
نعيم الفارسي 05.11.2019
ملاحظاتي_حول_زيارتي_سلطنة_عُمان#عبدالوهاب_مطاوع#كتاب_الرسم_فوق_النجوم#نعيم_الفارسي

احصل على Outlook لـ iOS

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق