الجمعة، 30 نوفمبر 2018

اصنع حياتك.. أحمد أمين

كل إنسان في هذه الحياة قادر -إلى حد ما- أن يصنع حياته فقيرة أو غنية، خصبة أو مجدبة، سعيدة أو شقية، باسمة أو عابسة. نعم إن للوراثة والبيئة دخلاً في تحديد حياته، ولكنَّ إرادةَ الإنسان، وعزمه، وهمته، وتربيته نفسه، قادرةٌ قدرةً كبيرةً على التغلب على عقبات الوراثة، والبيئة. فالوراثة والبيئة لا تعوقان الإنسان عن إسعاد حياته إذا منح الهمة، وقوة الإرادة، والتفكير الصحيح. وإليك بعض المبادئ التي تصنع لك حياة جميلة:
أول نصيحة لك ألاَّ تيأس، وأن تتوقع الخير في مستقبلك، ولا تقطب وجهك زاعماً أن الخير مُنِحَهُ غيرُك، وليس لك منه نصيب. وَوَسِّع أفقك، واعتقد أن العناية الإلهية لن تحرمك الخير في مستقبلك؛ فاعتقادك أن لا مستقبل لك، ولا أمل في حياتك، وأن لا خير ينتظرك؛ سمٌّ قاتل يضني الإنسان حتى يميته. وعلى العكس من ذلك: توقعك الخير، وأملك في الحياة؛ يوسع أفقك، ويحملك على أن توسع معارفك في الحياة، وعلى الجد فيما اخترته لنفسك من صنوف العيش، وعلى استعمال المادة التي في يدك خير استعمال.
لا تتعلل بأنك لست نابغة، ولا أن الظروف لا تواتيك ونحو ذلك؛ فالعالم لا يحتاج إلى النوابغ وحدهم، والنجاح ليس مقصوراً على النابغين وحدهم، وبذرة الجوافة ليس من حقها أن تطمح في أن تكون شجرة مانجو أو شجرة تفاح، ولكن ما ضرها أن تكون شجرة جوافة حلوة لذيذة، والحياة تتطلب الجوافة كما تتطلب المانجو والتفاح.
إن كثيراً من الشُبَّان يعتقدون أن هناك مَنْ مُنِحُوا قدرة على التفوق من غير جهد، وعلى الإتيان بالعجائب من غير مشقة، وعلى قلب التراب ذهباً بعصا سحرية، ولكن كل هذه أفكار عائقة عن العمل، وعن النجاح. كل من ساروا في طريق العمل بدءوا حياتهم بنوع من الغموض، والشك، والظلام، ولكن من نجح منهم إنما نجح؛ لأنه بعد أن بدأ حياته أحسَّ أنَّ في يده مصباحاً من نفسه يضيء له الطريق، ويستحثه على السير، وكلما تقدم إلى الأمام خطوة استحثه عزمه على متابعة الخطى في غير خوف، ولا ملل، ومتى أراه مصباحه أنه سائر على هدى، وعلى صراط مستقيم لم يتشكك في سيره، ولم يتعجل النجاح، واستمر في طريقه حتى يبلغ الغاية.
وخير وسيلة للنجاح في الحياة: أن يكون لك مثل أعلى عظيم تطمح إليه، وتنشده، وتضعه دائماً نصب عينيك، وتسعى دائماً في الوصول إليه: أن تكون عالماً عظيماً، أو تاجراً عظيماً، أو صانعاً عظيماً، أو سياسياً عظيماً؛ فمن قنع بالدون لم يصل إلا إلى الدون. ونحن نشاهد في حياتنا العادية أن من عزم أن يسير ميلاً واحداً، أحسَّ التعب عند الفراغ منه، ولكن من عزم أن يسير خمسة أميال، قطع ميلاً، أو ميلين وثلاثة من غير تعب؛ لأن غرضه أوسع، وهمته المدخرة أكبر. وإنا نشاهد أن كل من رسم لنفسه غرضاً يسعى إليه، وأخلص له، واستوحاه، واجتهد في الوصول إليه؛ نجح في حياته، ولو لم يدرك الغايةَ كلَّها أدرك جانباً عظيماً منها.
وإن من أكبر أسباب فشلنا أننا نخلق لأنفسنا أعذاراً، وأوهاماً، وعوائقَ؛ حتى تُكَوِّن لنا سَدَّاً كبيراً كسدِّ الصين حجارتُه أحياناً سوءُ الظنِّ، وأحياناً تخذيلُ النفسِ، وأحياناً الشكُّ في النتيجة، وأحياناً الخوفُ من الفشل، وأحياناً الكسلُ، إلى غير ذلك من أسباب. ولا تزال هذه الأحجار تتراكم حتى يحجب السور الشمس عن أعيننا، فلا نرى خيراً، ولا نرى غاية.
ومن أهم الأمور في تكوين حياتك وصنعها: ثقتك بنفسك، واعتقادك فيها أنها صالحة للحياة قابلة للنجاح، ولا أضر على الإنسان من احتقاره نَفْسَه، واعتقادِه عَجْزَه. وبعضُ الناس مصابون بهذا المرض، يعتقدون في أنفسهم أنهم لا شيء، وأن لا قيمة لهم، وأن لا أمل في نجاحهم، إما لأنهم ولدوا فقراء، وإما لأنهم ليسوا من بيوت كبيرة. مع أنَّ الأمة لا تحيا، ولا تتقدم إلاَّ إذا وثق أفرادها بأنفسهم، والقرآن نفسه بث روح الثقة بالنفس، والاعتزاز بالأمة، فقال: [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ].
وضَعْفُ الثقةِ بالنفس يقتل طموحها، ويقتل استقلالها، ويفقدها حياتها. ومن طبيعة الناس أنهم يحتقرون من احتقر نفسه، ويدوسون بأقدامهم من استذل. ومن عادتهم أن يحترموا من احترم نفسه، ويثقوا بمن وثق بها، ويعاملوا معاملة الإنسان من تَذَكَّر دائماً أنه إنسان. فثقتك بنفسك، واحترامك لها من غير كبر وغرور، أحسن تأمين على الحياة ضد الوقوف في المواقف الخسيسة، وضد أعمال النذالة.
وأخيراً اجتهد أن تبتسم للحياة؛ فالابتسام للحياة خير دواء للعقل، وخير علاج لاحتمال المتاعب إن أعيته، والابتسام للحياة يضيئها؛ وقد أرتنا التجربة أن الفرحين المستبشرين الباسمين للحياة خير الناس صحة، وأقدرهم على الجد في العمل، وأقربهم إلى النجاح، وأكثرهم استفادة وسعادة مما في يده ولو قليلاً.
ومن أكبر النعم على الإنسان أن يعتاد النظر إلى الجانب المشرق في الحياة لا الجانب المظلم منها؛ وإن العمل الشاق العسير يخف حمله بالطبع والنفس الفرحة. فعود نفسك هذه العادة، وانثر الأزهار باسماً على كل من عاملته، ولا تنظر للحياة من خلال نَظَّارَةٍ معتمة.
فهذه الأمور التي ذكرتها: هي الخيوط التي يجب أن تنسج منها حياتك، وما أحسنه من نسيج. إنك إن فعلت كان ذلك خيراً لك ولأمتك، وكان ذلك نجاحاً عظيماً.
*****
الأديب المصري (أحمد أمين) (١٨٨٦-١٩٥٤م) من كتابه (فيض الخاطر-الجزء السادس)، بتصرف. كثير.
نعيم الفارسي
01.12.2018
#اصنع_حياتك
#أحمد_أمين
#فيض_الخاطر

#كتب_قراءة_نعيم_الفارسي