الأحد، 10 مارس 2019

(السيلفي).. زدني لايكات.. عبد السلام بنعبد العالي

هل إنجاز صورة شخصية ووضعها في القنوات الاجتماعية في انتظار ما ستحصده من (لايكات)، يؤدي إلى تغيير العلاقة مع الذات؟ أم أن التغيير يتم عند العلاقة بالآخر؟ بعبارة أخرى: هل (السيلفي) وسيلة تعرف أم أداة اعتراف؟
بداية لنحاول أن نتوقف عند ظاهرة التصوير السيلفي، فما الذي يميزها عن عمليات التصوير العادي؟ لعل أهم ميزاتها هو أن العين التي وراء الكاميرا لا تكون في هذه الحال عين آخر، وإنما هي عيني أنا. أنا أنظر إلى أنا. غير أن عملية التصوير ليست هنا مثل تلك التي آخذ عنها صوراً عن المناظر التي أتملأها، والمآثر التي أزورها. فالمآثر هنا لا قيمة لها من دوني. فعندما ألتقط صورة وخلفي معلم تاريخي، فإن المعلم التاريخي للصورة يستمد معناه وقيمته من صورتي وليس العكس.
قد نستعيض عن المآثر بشخصيات شهيرة، فأنا عندما آخذ سيلفي مع شخصية شهيرة، فأنا سيتعرف بي وسأستمد شهرتي ممن آخذ معه السيلفي. ومع ذلك، فلا رباط حقيقي يشدني إلى النجم السينمائي أو الرياضي الذي آخذ معه الصورة، وربما أنا لم أطلع قط على مؤلفات هذا الكاتب الذائع الصيت الذي ألتقط صوره إلى جانبه، وهو لا يعرفني من دون شك، وربما لا يعرف حتى اسمي، أما أنا فأعرفه لا بما هو إنسان، وربما حتى بما هو كاتب، وإنما بما هو علم مشهور يعرف اسمه الجميع، وهذا بالضبط ما يهمني. أعرف أنه مشهور، وسأستمد شهرتي من شهرة اسمه.
ثم إن هذه الصورة التي التقطتها، لن أحتفظ بها كذكرى، وإنما سأسارع لأرمي بها في شبكات التواصل الاجتماعي كي يراني الآخرون؛ فالسيلفي لا يوجد ليخلد ذكريات؛ وإنما لكي ينتشر عبر مواقع التواصل ويحصد عدداً كبيراً من اللايكات.
السيلفي يتجه نحو عين الآخر ونظرته. السيلفي استراتيجية تواصلية ترمي إلى تعويض نقص التحقق الفعلي وفقدان الواقعية الذي تعاني منها الذات. فليس الفرد هنا هو ذاته من خلال وعيه بوجوده ككائن مفكر يحس ويشك ويتذكر ويتخيل؛ بل هو كذلك من خلال مجموع صوره المودعه في الفضاء الافتراضي.
السيلفي يستمد معناه وقيمته من الآخر بما يسجله من اللايكات والاعترافات.
******
الكاتب والمترجم المغربي (عبد السلام بنعبد العالي)، من كتابه (القراءة رافعةً رأسها)، بتصرف.
نعيم الفارسي
11.03.2019
#السيلفي_زدني_لايكات
#عبدالسلام_بنعبدالعالي
#القراءة_رافعةً_رأسها

#كتب_قراءة_نعيم_الفارسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق