كتبتُ أدعو مرة للاحتفال بعيد الأم في البلاد العربية في كتابي الأول (أمريكا الضاحكة) الذي صدر في عام ١٩٤٣م، ولكن أحداً لم يلتف لهذه الدعوة!
وبعد ذلك بأكثر من عشر سنوات، جاءت سيدة إلى مقر (أخبار اليوم) وطلبت مقابلتي أنا وأخي علي أمين، وشكت لنا أنها كرست كل حياتها لتربية ولدها بعد وفاة زوجها وهي شابة. رفضت أن تتزوج. كافحت وجاهدت حتى حصل ولدها على بكالوريس الطب وأصبح طبيباً ناجحاً، وخطبت له فتاة جميلة، ودفعت له المهر، وفرشت له شقة، وعندما خرج من بيتها ليسكن مع عروسه الشقة الجديدة، لم يقل لها شكراً!
وبعد أن خرجت قلنا أن كل الأبناء ينسون أن يقولوا لأمهاتهم شكراً، وأتفقنا على الاحتفال بعيد الأم. وبدأ أخي علي يدعو في فكرة الاحتفال بها. وهوجمت الفكرة من الصحف الأخرى. واتهمتنا جريدة الحكومة أننا ندعو للاحتفال بعيد الأم، لننصرف الأذهان عن الغزو التركي لسوريا!
وذات صباح اتصل بي الرئيس جمال عبد الناصر تلفونياً، وقال لي أنه يرى أن الاحتفال بعيد الأم فكرة سخيفة. فهو لا يذكر أمه، وقد ماتت وهو طفل صغير جداً، ولا يعرف كيف يحتفل بها. فهو لا يعرف أين دفنت، ولهذا يحسن العدول عن هذه الفكرة الغريبة!
وأُسقط في يدنا، وذهبنا إلى كمال الدين حسين وزير المعارف حينها، وكان يعبد أمه، وعرضنا عليه فكرة عيد الأم، فتحمس لها، وقلنا له أن الرئيس عبد الناصر يرفضها، فأخذني إليه، وأستطاع أن يقنعه. وعدنا ندعو لفكرة عيد الأم من جديد. ونجح عيد الأم نجاحاً مذهلاً، وأنتقل إلى البلاد العربية، وأصبح عيداً قومياً.
ثم حدث أن سُجنت عام ١٩٦٥م، ونفي أخي علي إلى الخارج، ومنع ذكر اسمينا. وخشيت مراكز القوى أنه إذا احتفلت مصر بعيد الأم في ٢١ مارس ١٩٦٦م، أن يتذكر الناس اسم علي أمين واسمي! وصدر قرار جمهوري بتغيير عيد الأم إلى عيد الأسرة!
وانهالت الاحتجاجات من الأمهات على الرئيس عبد الناصر، من أمهات السعودية والكويت والعراق وسوريا والسودان واليمن والجزائر وتونس وليبيا والخليج! كل أم في البلاد العربية اعتبرت إلغاء عيد الأم، اعتداءً على كل أم عربية! ابتسم الرئيس عبد الناصر لثورة النساء العربيات عليه، وأصدر أمره بالعودة للاحتفال بعيد الأم!
ومات عيد الأسرة بقرار جمهوري كما وُلد بقرار جمهوري!
*****
الصحفي المصري (مصطفى أمين) (١٩١٤-١٩٩٧م)، من كتابه (ألـ ٢٠٠ فكرة).
نعيم الفارسي
21.03.2019
#عيد_الأم
#مصطفى_أمين
#كتاب_ألـ ٢٠٠ فكرة
#كتب_قراءة_نعيم_الفارسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق