السبت، 29 يونيو 2019

ماذا لو تم إلغاء الموت؟! مارك مانسون

يعتقد كثيرون من العلماء بأننا سنصل إلى يوم نتمكّن فيه من امتلاك القدرة على الشفاء من الموت. فسوف تسمح لنا التكنولوجيا البيولوجية باستبدال واستصلاح أجسادنا بشكل دائم، فتمكنّا من العيش إلى الأبد!
لكن ماذا سيحصل لنا لو تمكنا من إزالة الموت؟
أظن أنها ستكون كارثة نفسية كبيرة لو تم فعلاً إلغاء الموت! فمن ناحية أولى، إذا تمكنّا من إلغاء الموت، فإننا نلغي النُدرة من الحياة. وإذا ألغينا النُدرة، فإننا نلقي القدرة على تحديد القيمة. سوف يبدو كل شيء جيداً أو سيئاً على نحوٍ متساوٍ، وسوف يصير كل شيء يستحق وقتنا وانتباهنا أو لا يستحقه على حد سواء.
سيصير المرء قادراً على أن يمضي مئة سنة في متابعة برنامج تلفزيوني؛ ولن تكون لذلك أية أهمية. وسيصير قادراً على ترك علاقاته تتدهور وتختفي؛ لأن أولئك الناس سيكونون موجودين دائماً، فلماذا يشغل المرء باله بهم؟! سيصير المرء قادراً على تبرير كل تساهل، وكل انحراف، فيقول: "حسناً، لن يقتلني هذا الأمر"، ثم يواصل فعله.
إنّ الموت ضرورة من الناحية النفسية؛ لأنه يخلق رهانات في الحياة. هناك شيء يمكن أن تخسره. وأنت لا تعرف قيمة شيء من الأشياء حتى تعيش احتمال فقدانه. أما إذا كنت خالداً، فأنت لا تعرف ما أنت مستعد للصراع من أجله، وما أنت مستعد للتخلّي عنه أو للتضحية به!
*****
(مارك مانسون) من كتابه (خراب.. كتاب عن الأمل)، بتصرف.
نعيم الفارسي
30.06.2019
#ماذا_لو_تم_إلغاء_الموت؟
#مارك_مانسون
#كتاب_خراب
#نعيم_الفارسي

الجمعة، 28 يونيو 2019

خمسة أمور يحب أن تتصالح معها! خالد المنيف

بعد تأمل في الحياة، وجدت أن الإنسان إن أراد أن ينعم بالعيش الهانىء والحياة الكريمة وراحة البال، لا بد أن يتصالح مع خمسة أمور، وبدون التصالح معها ستستحيل حياته تعاسةً وشقاء:
أولاً: تصالح مع الماضي. ومن منا من أُعفي من خسارة مادية؟ ومن منا من لم يتعثّر في طريق؟ ومن منا لم يرتكب حماقات؟ ومن منا لم يُخذل من صديق؟ ومن منا لم يفقد حبيباً؟ في علم النفس هناك ما يُسمّى بـ (التقبّل الاجتماعي)، ويعني أن تتقبّل كل ما حدث على أنه أمرٌ قُدّر عليك، ولا خيار لك في تعديل تفاصيله. فكم من شخص يتقلب حسرة قد أسهرته الذكريات المؤلمة؟! تعامل مع كل ما مضى بنظام، أمرٌ كُتب عليّ وانتهى أمره، فلم يعد ملكاً لي، الذي أملكه هو اليوم وسأركز عليه.
ثانياً: تصالح مع وضعك الحالي. تصالح مع جنسيتك، مع قبيلتك، مع وضعك الاجتماعي، تصالح مع طولك، مع وزنك، مع لون بشرتك. احذر أن تكره شيئاً فيك، فهذا يعني أنه بداية لكره الذات، وخذها قاعدة: ما يمكنك تحسينه، اجتهد على تحسينه، وما لا يمكنك، فاقبل به وأحبّه.
ثالثاً: تصالح مع عيوبك. نحن بشر ناقصون، فجزماً لنا جميعاً عيوب، ونقاط ضعف؛ لذا قرّ عيناً، واقبله مع العمل على ما يمكن تعديله، لكن! ثق أنك لن تصل إلى درجة الكمال، لا تُعذّب نفسك بالمقارنة مع غيرك، حدّث نفسك دائماً على أنك شخص جيّد بما يكفي لأن تنجح وتسعد.
رابعاً: تصالح مع العداوات والأعداء. فلا تخض أي معركة مع أي شخص، وتذكر أن من أقوى مظاهر التصالح مع الخصوم هو تجاهلهم وعدم الانصياع لاستدراجهم، لخوض المعارك. وتذكر بأن الحياة قصيرة، فلا تجعل من كل موقف معركة حياة أو موت، لأنك لو فعلت، فستموت كثيراً ولو انتصرت!
خامساً: تصالح مع مشاكلك. بأن تكون رابط الجأش، ساكن الروح، لا جزع ولا تهور، فحدوث المشكلات ليست نهاية الحياة. تصالح معها بأن تكون متأنياً، لا عجلة ولا اندفاع، بل تأمل وأحسن اختيار الحلول. تصالح مع مشاكلك بعدم الهروب منها، بل بمواجهتها وتلمس الحلول.
******
د. خالد المنيف من كتابه (كبّر دماغك)، بتصرف.
نعيم الفارسي
29.06.2019
#خمسة_أمور_يجب_أن_تتصالح_معها
#خالد_المنيف
#كبر_دماغك
#نعيم_الفارسي
#كتب_قراءة

الحصول على Outlook لـ iOS

السبت، 22 يونيو 2019

هذا هو الطريق.. سيّد قطب

هَذَا هُوَ الطَرِيْق..
*****
قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوج، وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ، وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ، قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ). إلى آخر السورة.
إن قصة أصحاب الأخدود -كما وردت في سورة البروج- حقيقة بأن يتأملها المؤمنون الداعون إلى الله في كل أرض وفي كل جيل. فالقرآن بإيرادها في هذا الأسلوب مع مقدمتها والتعقيبات عليها، والتقريرات والتوجيهات المصاحبة لها، كان يخط بها خطوطاً عميقة في تصور طبيعة الدعوة إلى الله، ودور البشر فيها، واحتمالاتها المتوقعة في مجالها، وكان يرسم للمؤمنين معالم الطريق، ويعدُّ نفوسهم لتلقي أي من هذه الاحتمالات التي يجري بها القدر المرسوم، وفق الحكمة المكنونة في غيب الله المستور.
إنها قصة فئة آمنت بربها، واستعلنت حقيقة إيمانها. ثم تعرضت للفتنة من أعداء جبارين بطاشين مستهترين بحق الإنسان في حرية الاعتقاد بالحق والإيمان بالله العزيز الحميد، وبكرامة الإنسان عند الله عن أن يكون لعبة يتسلى بها الطغاة بآلام تعذيبها، ويتلهون بمنظرها في أثناء التعذيب بالحريق!
وقد ارتفع الإيمان بهذه القلوب على الفتنة، وانتصرت فيها العقيدة على الحياة، فلم ترضخ لتهديد الجبارين الطغاة، ولم تفتن عن دينها، وهي تحرق بالنار حتى تموت. لقد تحررت هذه القلوب من عبوديتها للحياة، فلم يستذلها حب البقاء وهي تعاين الموت بهذه الطريقة البشعة، وانطلقت من قيود الأرض وجواذبها جميعاً، وارتفعت على ذواتها بانتصار العقيدة على الحياة فيها.
وفي مقابل هذه القلوب المؤمنة الخيِّرة الرفيقة الكريمة كانت هناك جبلات جاحدة شريرة مجرمة لئيمة. وجلس أصحاب هذه الجبلات على النار، يشهدون كيف يتعذب المؤمنون ويتألمون. جلسوا يتلهون بمنظر الحياة تأكلها النار، والأناسي الكرام يتحولون وقوداً وتراباً. وكلما ألقي فتى أو فتاة، صبية أو عجوز، طفل أو شيخ، من المؤمنين الخيرين الكرام في النار، ارتفعت النشوة الخسيسة في نفوس الطغاة، وعربد السعار المجنون بالدماء والأشلاء!
هذا هو الحادث البشع الذي انتكست فيه جبلات الطغاة وارتكست في هذه الحمأة، فراحت تلتذ مشهد التعذيب المروع العنيف، بهذه الخساسة التي لم يرتكس فيها وحش قط، فالوحش يفترس ليقتات، لا ليلتذ آلام الفريسة في لؤم وخسة! وهو ذاته الحادث الذي ارتفعت فيه أرواح المؤمنين وتحررت وانطلقت إلى ذلك الأوج السامي الرفيع، الذي تشرف به البشرية في جميع الأجيال والعصور.
في حساب الأرض يبدو أن الطغيان قد انتصر على الإيمان. وإن هذا الإيمان الذي بلغ الذروة العالية، في نفوس الفئة الخيرة الكريمة الثابتة المستعلية، لم يكن له وزن ولا حساب في المعركة التي دارت بين الإيمان والطغيان! ولا تذكر الروايات التي وردت في هذا الحادث، كما لا تذكر النصوص القرآنية، أن الله قد أخذ أولئك الطغاة في الأرض بجريمتهم البشعة، كما أخذ قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وقوم لوط. أو كما أخذ فرعون وجنوده أخذ عزيز مقتدر. ففي حساب الأرض تبدو هذه الخاتمة اسيفة أليمة!
أفهكذا ينتهي الأمر، وتذهب الفئة المؤمنة التي ارتفعت إلى ذروة الإيمان؟ تذهب مع آلامها الفاجعة في الأخدود؟ بينما تذهب الفئة الباغية، التي ارتكست إلى هذه الحمأة، ناجية؟ حساب الأرض يحيك في الصدر شيء أمام هذه الخاتمة الأسيفة! ولكن القرآن يعلِّم المؤمنين شيئاً آخر، ويكشف لهم عن حقيقة أخرى، ويبصرهم بطبيعة القيم التي يزنون بها، وبمجال المعركة التي يخوضونها.
إن الحياة وسائر ما يلابسها من لذائذ وآلام، ومن متاع وحرمان. ليست هي القيمة الكبرى في الميزان. وليست هي السلعة التي تقرر حساب الربح والخسارة. والنصر ليس مقصوراً على الغلبة الظاهرة. فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة. إن القيمة الكبرى في ميزان الله هي قيمة العقيدة، وإن السلعة الرائجة في سوق الله هي سلعة الإيمان. وإن النصر في أرفع صوره هو انتصار الروح على المادة، وانتصار العقيدة على الألم، وانتصار الإيمان على الفتنة. وفي هذا الحادث انتصرت أرواح المؤمنين على الخوف والألم، وانتصرت على جواذب الأرض والحياة، وانتصرت على الفتنة انتصاراً يشرف الجنس البشري كله في جميع الأعصار. وهذا هو الانتصار.
إن الناس جميعاً يموتون، وتختلف الأسباب. ولكن الناس جميعاً لا ينتصرون هذا الانتصار، ولا يرتفعون هذا الارتفاع، ولا يتحررون هذا التحرر، ولا ينطلقون هذا الانطلاق إلى هذه الآفاق. إنما هو اختيار الله وتكريمه لفئة كريمة من عباده لتشارك الناس في الموت، وتنفرد دون الناس في المجد، المجد في الملأ الأعلى، وفي دنيا الناس أيضاً. إذا نحن وضعنا في الحساب نظرة الأجيال بعد الأجيال! لقد كان في استطاعة المؤمنين أن ينجوا بحياتهم في مقابل الهزيمة لإيمانهم. ولكن كم كانوا يخسرون هم أنفسهم؟ وكم كانت البشرية كلها تخسر؟ كم كانوا يخسرون وهم يقتلون هذا المعنى الكبير، معنى زهادة الحياة بلا عقيدة، وبشاعتها بلا حرية، وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الأرواح بعد سيطرتهم على الأجساد؟ إنه معنى كريم جداً، ومعنى كبير جداً، هذا الذي ربحوه وهم بعد في الأرض، ربحوه وهم يجدون مس النار، فتحرق أجسادهم الفانية، وينتصر هذا المعنى الكريم الذي تزكيه النار!
ثم إن مجال المعركة ليس هو الأرض وحدها، وليس هو الحياة الدنيا وحدها. وشهود المعركة ليسوا هم الناس في جيل من الأجيال. إن الملأ الأعلى يشارك في أحداث الأرض ويشهدها ويشهد عليها، ويزنها بميزان غير ميزان الأرض في جيل من أجيالها، وغير ميزان الأرض في أجيالها جميعاً. والملأ الأعلى يضم من الأرواح الكريمة أضعاف أضعاف ما تضم الأرض من الناس. وما من شك أن ثناء الملأ الأعلى وتكريمه أكبر وأرجح في أي ميزان من رأي أهل الأرض وتقديرهم على الإطلاق!
وبعد ذلك كله هناك الآخرة. وهي المجال الأصيل الذي يلحق به مجال الأرض، ولا ينفصل عنه، لا في الحقيقة الواقعة، ولا في حس المؤمن بهذه الحقيقة. فالمعركة إذن لم تنته، وخاتمتها الحقيقية لم تجيء بعد، والحكم عليها بالجزء الذي عرض منها على الأرض حكم غير صحيح، لأنه حكم على الشطر الصغير منها والشطر الزهيد.
*****
سيّد قطب -رحمه الله- من كتابه (معالم في الطريق).
نعيم الفارسي
23.06.2019
#أصحاب_الأخدود
#هذا_هو_الطريق
#سيّد_قطب
#معالم_في_الطريق
#نعيم_الفارسي

الحصول على Outlook لـ iOS

الثلاثاء، 18 يونيو 2019

فلاح فلوريدا.. (قد يكمن الخير في الشر).. علي الطنطاوي

قرأت في كتاب ديل كارنيجي (دع القلق وابدأ من جديد) قصة فلاح من (فلوريدا) اشترى أرضاً، وضع فيها ماله كله وأمله، فلما صارت له وذهب ليراها، رآها قفرة مهجورة، لا تصلح للزراعة، ولا تنفع للرعي، وليس فيها إلا أعشاب تعيش عليها مئات من الحيات والثعابين، لا سبيل إلى مكافحتها واستئصالها، وكاد يصاب بالجنون، لولا أن خطرت له فكرة عجيبة: هي أن يربي هذه الحيات، ويستفيد منها. وفعل ذلك، فنجح نجاحاً منقطع النظير، كان يخرج سموم هذه الحيات، فيبعث بها إلى معامل الأدوية، فتستخلص منها الترياق الذي يشفي من هذه السموم، ويبيع جلودها لتجار الأحذية بأغلى الأثمان، ويحفظ لحومها في علب يبعث بها إلى من يحب أكل لحوم الحيّات، وكان يقصده السياح من كل مكان، ينظرون إلى أول مزرعة في الدنيا أنشئت لتربية الحياة والثعابين.
قرأت هذه القصة الواقعة، فأحسست كأني كنت أسير في طريق مظلم، لا أعرف موطئ قدمي فيه، فسطع أمامي نور وهّاج، لقد علمتني هذه القصة ألا أفزع بعد اليوم من فشل أو أجزع من خيبة، بل أن أحاول استثمار الفشل، والاستفادة من الخيبة، وليس في الدنيا خير مطلق، وليس فيها شر مطلق.
ولكن في كل خير شر قليل، وفي كل شر خير قليل، والخمر والميسر فيهما إثم كبير ومنافع للناس، ولكن إثمهما أكبر من نفعهما، والموت الذي نفرّ منه، قد يكون في حالات مُنيَة نتمناها!
فلماذا أبكي أو أيأس إن أصابني شر، ما دمت أستطيع أن أستخلص الخير القليل الذي يكمن فيه، لماذا أترك الحيات تلدغني بسمها، ما دمت أقدر أن أربيها وأستفيد من سمها. هذا هو الدرس الذي تعلمته من قصة (فلاح فلوريدا).
*****
الأديب الشيخ المؤرخ الموسوعي (علي الطنطاوي)، بتصرف من كتابه (مقالات في كلمات-الجزء الأول).
نعيم الفارسي
18.06.2019
#قد_يكمن_الخير_في_الشر
#فلاح_فلوريدا
#علي_الطنطاوي
#مقالات_في_كلمات
#نعيم_الفارسي

الاثنين، 10 يونيو 2019

يجب أن تكون طبيباً أو مهندساً.. عابدة المؤيد العظم

كانت أقصى أماني الأمهات -عندما كنت صغيرة- أن يكون أولادهن أطباء أو مهندسين ليس إلا، وكانت الأمهات يجاهدن مجاهدة عظيمة في سبيل تحقيق هذه الأمنية، فيبدأن منذ السنوات الأولى بغرس هذه المفاهيم في ذهن أطفالهن، ويكررن هذه العبارة: “يجب أن تكون طبيباً أو مهندساً” بكثرة أمام الواحد منهم، ويعملن على تحبيب هاتين المهنتين إليه عن طريق الكلام عن فوائدهما، وعن عائدهما المادي، وعن الاحترام والتقدير اللذين سيحظى بهما من امتهن أياً منهما.
سوف يتساءل كثيرٌ من القُرّاء: ولكن أين الخطورة في هذه العبارة؟ وما المانع أن يكون ولدنا طبيباً أو مهندساً؟ وسأجيب بما يلي:
1- الخطر الأول في هذه العبارة أننا حصرنا المهن الرفيعة في مهنتي الطب والهندسة، وشددنا على هذا حتى تصاغرت المهن الأخرى وتضاءلت أمام هاتين المهنتين، وقل شأن ممتهنيها، وانحطت مرتبتهم الاجتماعية عن الأطباء والمهندسين. ولمَّا كان من غير المعقول أن يمتهن الجميع الطب أو الهندسة، بقينا بين أمرين أحلاهما مُرّ: إما أن يصير الولد طبيباً أو مهندساً، فيعتقد أنه فاز ووصل إلى الغاية المطلوبة. وإما أن يفشل في امتهان إحدى هاتين المهنتين، فيشعر طيلة حياته بالأسى والدونية.
2- والخطر الثاني أننا أجبرنا أبناءنا أدبياً، وأقنعناهم لا شعورياً بالإقبال على إحدى هاتين المهنين دون اهتمام بميولهم ورغباتهم وأحلامهم، مما قد يتسبب في تعثرهم أثناء الدراسة، ثم في خطئهم أو فشلهم أثناء تأدية المهنة. ولقد وأد كثير من الآباء والأمهات ميول أبنائهم وبناتهم وسيّروهم في طريق لم ينتجوا فيه ولم يبدعوا فيه؛ لأنهم حملوهم على واحد من هذين التخصصين وهم له كارهون. فهل من العقل والحكمة أن يُجبر الولد على إنفاق عمره في اختصاص لا يُحبّه، فيزهد فيه ويعزف عنه في أول فرصة تلوح له؟ وكم من طبيب أو مهندس ما استفاد يوماً من شهادته؛ لأنه درس الطب أو الهندسة بإيعاز من أمه أو أبيه، ولو تُرك لميوله ورغباته لأبدع ولأفاد المجتمع بطريقة أفضل.
4- ولهذه هذه العبارة “يجب أن تكون طبيباً أو مهندساً” خطر كبير إذا اقتصر التوجيه المبّطن فيها على القيم المادية وحدها (بأن يُحث الابن على دراسة الطب أو الهندسة ليحظى باحترام الآخرين وتقديرهم وليكون ناجحاً ومشهوراً وغنياً فحسب) فهي -حينئذ- تشجعه على أن يعمل لنفسه فقط، وأن يرى مصلحته دون سواه، وأن يهتم ببناء مستقبله غير عابئ بحاجات مجتمعه، فتربي الأنانية والروح الفردية. ولا يزول مثل هذا الخطر إلا بأن يُقرن بهذه الدعوة تذكيرٌ بالقيم التي تجعل الفرداً فعالاً معطاءً، والتي تجعلهُ إنساناً رحيماً شفوقاً عطوفاً يساعد الناس ويغيث الملهوف ويزيل كرب المكروب، ويخدم المسلمين ويهتم بأمرهم؛ إذ على كل مسلم أن يعمل ما يستطيعه ليكون فعالاً وليدفع بالمجتمع إلى الأمام.
فاتركي ولدك كي يختار بنفسه المهنة التي يحبها ولا تضيقي عليه، وإن رأيت مساعدته في الاختيار فاختاري له ما يناسب ميوله وقدراته. أو اختاري له المهنة التي يحتاجها الناس أكثر من غيرها. وإن أردت له النجاح والشهرة والمال فلقنيه الإخلاص، وعلميه الإتقان. وحببي إليه الناس وحثيه على الإحسان إليهم والتسامح معهم، لأنهم هم القضاة الذين سيحكمون له أو عليه بالنجاح أو الفشل.
وأذكرك -أخيراً- بأن التقوى وخوف الله هما القاسم المشترك الأعظم بين جميع المهن، فاحرصي عليهما أشد الحرص إن أردت لولدك التوفيق والتفوق في الحياة، فهما سر التوفيق، ودافع التفوق، وهما الطريق الوحيد إلى سعادة الدنيا والآخرة.
******
أ. عابدة المؤيد العظم.. من كتابها (عبارات خطيرة)، بتصرف يسير.
نعيم الفارسي
10.06.2019
#كتاب_عبارات_خطيرة
#عابدة_العظم
#يجب_أن_تكون_طبيباً_أو_مهندسا
#نعيم_الفارسي