الاثنين، 10 يونيو 2019

يجب أن تكون طبيباً أو مهندساً.. عابدة المؤيد العظم

كانت أقصى أماني الأمهات -عندما كنت صغيرة- أن يكون أولادهن أطباء أو مهندسين ليس إلا، وكانت الأمهات يجاهدن مجاهدة عظيمة في سبيل تحقيق هذه الأمنية، فيبدأن منذ السنوات الأولى بغرس هذه المفاهيم في ذهن أطفالهن، ويكررن هذه العبارة: “يجب أن تكون طبيباً أو مهندساً” بكثرة أمام الواحد منهم، ويعملن على تحبيب هاتين المهنتين إليه عن طريق الكلام عن فوائدهما، وعن عائدهما المادي، وعن الاحترام والتقدير اللذين سيحظى بهما من امتهن أياً منهما.
سوف يتساءل كثيرٌ من القُرّاء: ولكن أين الخطورة في هذه العبارة؟ وما المانع أن يكون ولدنا طبيباً أو مهندساً؟ وسأجيب بما يلي:
1- الخطر الأول في هذه العبارة أننا حصرنا المهن الرفيعة في مهنتي الطب والهندسة، وشددنا على هذا حتى تصاغرت المهن الأخرى وتضاءلت أمام هاتين المهنتين، وقل شأن ممتهنيها، وانحطت مرتبتهم الاجتماعية عن الأطباء والمهندسين. ولمَّا كان من غير المعقول أن يمتهن الجميع الطب أو الهندسة، بقينا بين أمرين أحلاهما مُرّ: إما أن يصير الولد طبيباً أو مهندساً، فيعتقد أنه فاز ووصل إلى الغاية المطلوبة. وإما أن يفشل في امتهان إحدى هاتين المهنتين، فيشعر طيلة حياته بالأسى والدونية.
2- والخطر الثاني أننا أجبرنا أبناءنا أدبياً، وأقنعناهم لا شعورياً بالإقبال على إحدى هاتين المهنين دون اهتمام بميولهم ورغباتهم وأحلامهم، مما قد يتسبب في تعثرهم أثناء الدراسة، ثم في خطئهم أو فشلهم أثناء تأدية المهنة. ولقد وأد كثير من الآباء والأمهات ميول أبنائهم وبناتهم وسيّروهم في طريق لم ينتجوا فيه ولم يبدعوا فيه؛ لأنهم حملوهم على واحد من هذين التخصصين وهم له كارهون. فهل من العقل والحكمة أن يُجبر الولد على إنفاق عمره في اختصاص لا يُحبّه، فيزهد فيه ويعزف عنه في أول فرصة تلوح له؟ وكم من طبيب أو مهندس ما استفاد يوماً من شهادته؛ لأنه درس الطب أو الهندسة بإيعاز من أمه أو أبيه، ولو تُرك لميوله ورغباته لأبدع ولأفاد المجتمع بطريقة أفضل.
4- ولهذه هذه العبارة “يجب أن تكون طبيباً أو مهندساً” خطر كبير إذا اقتصر التوجيه المبّطن فيها على القيم المادية وحدها (بأن يُحث الابن على دراسة الطب أو الهندسة ليحظى باحترام الآخرين وتقديرهم وليكون ناجحاً ومشهوراً وغنياً فحسب) فهي -حينئذ- تشجعه على أن يعمل لنفسه فقط، وأن يرى مصلحته دون سواه، وأن يهتم ببناء مستقبله غير عابئ بحاجات مجتمعه، فتربي الأنانية والروح الفردية. ولا يزول مثل هذا الخطر إلا بأن يُقرن بهذه الدعوة تذكيرٌ بالقيم التي تجعل الفرداً فعالاً معطاءً، والتي تجعلهُ إنساناً رحيماً شفوقاً عطوفاً يساعد الناس ويغيث الملهوف ويزيل كرب المكروب، ويخدم المسلمين ويهتم بأمرهم؛ إذ على كل مسلم أن يعمل ما يستطيعه ليكون فعالاً وليدفع بالمجتمع إلى الأمام.
فاتركي ولدك كي يختار بنفسه المهنة التي يحبها ولا تضيقي عليه، وإن رأيت مساعدته في الاختيار فاختاري له ما يناسب ميوله وقدراته. أو اختاري له المهنة التي يحتاجها الناس أكثر من غيرها. وإن أردت له النجاح والشهرة والمال فلقنيه الإخلاص، وعلميه الإتقان. وحببي إليه الناس وحثيه على الإحسان إليهم والتسامح معهم، لأنهم هم القضاة الذين سيحكمون له أو عليه بالنجاح أو الفشل.
وأذكرك -أخيراً- بأن التقوى وخوف الله هما القاسم المشترك الأعظم بين جميع المهن، فاحرصي عليهما أشد الحرص إن أردت لولدك التوفيق والتفوق في الحياة، فهما سر التوفيق، ودافع التفوق، وهما الطريق الوحيد إلى سعادة الدنيا والآخرة.
******
أ. عابدة المؤيد العظم.. من كتابها (عبارات خطيرة)، بتصرف يسير.
نعيم الفارسي
10.06.2019
#كتاب_عبارات_خطيرة
#عابدة_العظم
#يجب_أن_تكون_طبيباً_أو_مهندسا
#نعيم_الفارسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق