قرأت في كتاب ديل كارنيجي (دع القلق وابدأ من جديد) قصة فلاح من (فلوريدا) اشترى أرضاً، وضع فيها ماله كله وأمله، فلما صارت له وذهب ليراها، رآها قفرة مهجورة، لا تصلح للزراعة، ولا تنفع للرعي، وليس فيها إلا أعشاب تعيش عليها مئات من الحيات والثعابين، لا سبيل إلى مكافحتها واستئصالها، وكاد يصاب بالجنون، لولا أن خطرت له فكرة عجيبة: هي أن يربي هذه الحيات، ويستفيد منها. وفعل ذلك، فنجح نجاحاً منقطع النظير، كان يخرج سموم هذه الحيات، فيبعث بها إلى معامل الأدوية، فتستخلص منها الترياق الذي يشفي من هذه السموم، ويبيع جلودها لتجار الأحذية بأغلى الأثمان، ويحفظ لحومها في علب يبعث بها إلى من يحب أكل لحوم الحيّات، وكان يقصده السياح من كل مكان، ينظرون إلى أول مزرعة في الدنيا أنشئت لتربية الحياة والثعابين.
قرأت هذه القصة الواقعة، فأحسست كأني كنت أسير في طريق مظلم، لا أعرف موطئ قدمي فيه، فسطع أمامي نور وهّاج، لقد علمتني هذه القصة ألا أفزع بعد اليوم من فشل أو أجزع من خيبة، بل أن أحاول استثمار الفشل، والاستفادة من الخيبة، وليس في الدنيا خير مطلق، وليس فيها شر مطلق.
ولكن في كل خير شر قليل، وفي كل شر خير قليل، والخمر والميسر فيهما إثم كبير ومنافع للناس، ولكن إثمهما أكبر من نفعهما، والموت الذي نفرّ منه، قد يكون في حالات مُنيَة نتمناها!
فلماذا أبكي أو أيأس إن أصابني شر، ما دمت أستطيع أن أستخلص الخير القليل الذي يكمن فيه، لماذا أترك الحيات تلدغني بسمها، ما دمت أقدر أن أربيها وأستفيد من سمها. هذا هو الدرس الذي تعلمته من قصة (فلاح فلوريدا).
*****
الأديب الشيخ المؤرخ الموسوعي (علي الطنطاوي)، بتصرف من كتابه (مقالات في كلمات-الجزء الأول).
نعيم الفارسي
18.06.2019
#قد_يكمن_الخير_في_الشر
#فلاح_فلوريدا
#علي_الطنطاوي
#مقالات_في_كلمات
#نعيم_الفارسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق