دائماً هناك معركة حامية وصراع كبير بين مستخدمي الوسائل القديمة ضد مستخدمي الوسائل الجديدة، فأصحاب الوسائل القديمة لا يتقبلون بسهولة الوسائل الجديدة، ويرفضونها، ويتوقعون لها الفشل، ويؤكدون أن الناس سترجع للوسائل القديمة. ولعل من أسباب رفض الوسائل الجديدة عند هؤلاء، ربما أنهم تعودوا على الوسائل القديمة ورأوا أن الناس تعودوا عليها ولن يتركوها، وأيضاً لجهلهم بالوسائل الجديدة وعدم معرفتهم باستخدامها بداية، والناس أعداء ما جهلوا. وكذلك من طبيعة أغلب البشر في رفض الجديد بداية وعدم تقبله. لكن ما تلبث أن تنتصر الوسائل الجديدة ويتعود الناس عليها، ويهملوا الوسائل القديمة، وعندها ينقسم أصحاب الوسائل القديمة إلى قسمين، قسم رافض أن يتطور، فيتجاهله الناس ويموت فكرياً أو فنياً، وقسم يقبل التغيير ويواكب الوسائل الجديدة، يذكر الأديب المصري (جودة السحّار) (١٩١٣-١٩٧٤م) قصة الممثل الشهير الإنجليزي الكوميدي (شارلي شابلن) (١٨٨٩-١٩٧٩م) -والذي كان نجم أيقونه السينما الصامتة-، ومعركته مع السينما الناطقة في بداية ظهورها؛ وذلك في سيرته (هذه حياتي) -وقد عاصر (السحّار) هذه الأحداث-؛ فيقول: "كان موت الممثل الإيطالي الشهير (ردوولف فالنتينو) إيذانا بموت السينما الصامتة، فقد راحت المجلات الفنية تحمل أنباء بداية مولد السينما الناطقة، وقد أقبل الناس على هذا الفن الجديد، وقامت معركة حامية بين أنصار الجديد وأنصار القديم، وتنبأ (شارلي شابلن) بإخفاق السينما الناطقة، وقال إن السينما الصامتة سينما عالمية؛ بينما السينما الناطقة لا تزيد على سينما محلية، وإن السينما الناطقة تُحطّم أقدم فنون العالم (البانتوميم): أي فن التعبير بالتمثيل الصامت دون كلام أو ألفاظ، إنها تفسد الجمال العظيم الذي يوحيه الصمت. وكتبت المجلات الفنية أنّ (شارلي شابلن) مصمم على موفقه من السينما الناطقة، إنه يمثل ويخرج فيلم (أنوار المدينة) ولن ينطق أي ممثل حرفاً في هذا الفيلم. ولكن كان تيار السينما الناطقة جارفاً، فعلى الرغم من أن (شابلن) لم ينبس بكلمة إلا أنه وضع موسيقى تصويرية لفيلمه، كان لا بد أن يُجاري عصره وإلا حكم على نفسه بالموت الفني، كما مات أعظم نجوم السينما الصامتة عندما اتضّح أن أصواتهم لا تصلح للفن الجديد. وعندما عُرض فيلم (أنوار المدينة) في القاهرة، انقسمت ثلتنا حوله، البعض يتحمّس لما فعله (شابلن)، والبعض يرى أن ما فعله (شابلن) إن هو إلا خطوة في طريق اعترافه بالسينما الناطقة".
والآن ربما لن يتقبّل الناس أن يروا فيلماً صامتاً؛ فقد صار من الوسائل القديمة جداً!! فنرى كيف أن الانتصار للوسائل الجديدة، وقد أكدّ هذه الفكرة أيضاً المفكر الكبير (علي الوردي) في أحد كتبه (لا أذكره الآن)، وقال في معنى كلمه أن الوسائل الجديدة تنتصر على الوسائل ولو حاول منعها بداية كل رافض لها. وقد رأينا هذا في حياتنا المعاصرة في كثير من الأمور، يرفضها بداية كثيرون، ولا يلبثوا أن يتقبلوها ويستخدموها.
نعيم الفارسي
12.01.2018
#المعركة_بين_الوسائل_الجديدة_والقديمة
#السينما_الصامتة_والسينما_الناطقة
#شارلي_شابلن
#جودة_السحّار
#كتاب_هذه_حياتي
#نعيم_الفارسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق