الاثنين، 28 يناير 2019

نحن لم نرح!! نيكوس كازانتزاكيس

ذكر الكاتب والفيلسوف اليوناني (نيكوس كازانتزاكيس) (١٨٨٣-١٩٥٧م)، في سيرته الذاتية: (تقرير إلى غريكو)، هذا الموقف الذي أثر فيه وتعلم منه، فقال (بتصرف):
"في طفولتي كان شهر أغسطس هو أحب الشهور إلى نفسي، فهو الذي يجلب لنا العنب والتين والقاوون والبطيخ الأحمر. حيثُ يُعد هذا الطعام مؤونة لسنة كاملة. وفي أحد السنوات في ١٥ أغسطس وما زلت صغيراً حينها، وضع أبي وجيرانه العناقيد -محصول سنة- على أرض مغطاة بالقماش لكي تجف تحت الشمس وتتحول إلى زبيب. وكان كل منهم قد سمّر عينه على غيمة صغيرة سوداء مشؤومة ظهرت على الأفق وبدأت تتقدم. كان القلق بادياً عليهم. كنتُ جالساً قرب والدي مثل الآخرين، وكنت مثلهم أراقب الغيمة وهي تكبر باستمرار. وفجأة هبّت نسمة دافئة، وارتعشت أوراق شجرة الزيتون، وقال أحدهم: "ليأخذ هذه الغيمة الشيطان قبل أن تجلب لنا المطر فتفسد حصادنا".
وبينما هم كذلك صارت السماء كالحة تماماً، وبدأت القطرات الكبيرة الأولى الحارة بالتساقط، وبدأت ومضات البرق تشق السماء بصمت. وصرخ الجيران جميعاً وتفرقوا في كل اتجاه. كلٌ نحو كرمه حيثُ مؤونة العام كلها. وصار الجو أشد قتامة. وتساقط المطر بشدة واندفعت الريح مجنونة، وفاضت السواقي وبدأت المياه تجري في الدروب كالأنهار، وانطلقت الأصوات من كل كرم، بعضها كان يلعن، وبعضها كان يسترحم.
حينها انسللتُ من كوخنا ورحت أركض تحت المطر، وصلت إلى الطريق، لكنها كانت سيلاً جارفاً لم استطع عبوره. ورحتُ أتفرج بينما العناقيد -جهد العام كله- تعوم على السيل الذي يجرفها بسرعة نحو البحر. وتصاعد البكاء، وغاصت عدة نساء حتى الركب في الماء وهن يجاهدن لإنقاذ بعض الزبيب، وأخريات كن واقفات على جانب الطريق يشدن الشعر.
كنتُ مبللاً حتى العظم، ركضتُ عائداً نحو البيت لأرى ردة فعل والدي. هل سيبكي؟ هل سيلعن؟ هل سيصرخ؟ وحين عبرت المنطقة الجافة رأيت أن عنبنا كله قد راح!
وجدتُ أبي واقفاً بلا حراك على عتبة وهو يعض شفته، وكانت أمي واقفة وراءه وهي تبكي! وصرخت: "أبي.. لقد راح عنبنا". فأجابني: "اخرس. نحن لم نرح".
لم أنسَ هذه اللحظة طوال حياتي. وقد نفعتني كدرس عظيم. ففي أزمات حياتي كنت دائماً أتذكر أبي وهو واقف بهدوء دون حراك، دون أن يلعن أو يتوسل أو يبكي. بلا حراك كان يقف واقفاً يرقب الخراب، ووحده بين الجيران كلهم ظل محافظاً على كرامته البشرية".
*****
نعيم الفارسي
29.01.2019
#لكن_نحن_لم_نرح
#كتاب_تقرير_إلى_غريكو
#نيكوس_كازانتزاكيس

#كتب_قراءة_نعيم_الفارسي

السبت، 26 يناير 2019

اشرع في صيام عن الأخبار السيئة.. روبين شارما

تلقى الأخبار السلبية رواجاً في مجتمعنا، سيختار عدد أكبر من الأشخاص مشاهدة المحاكمة الجنائية لأحد المشاهير بدلاً من السيرة الذاتية لإنسان عظيم حقاً. تبيع الصحيفة التي تحمل عنواناً رئيسياً يكشف عن آخر حادث مأساوي نسخاً أكثر من تلك التي تعلن عن أحدث تقدّم علمي.
تكمن المشكلة الحقيقية في أنه من السهل إدمان قراءة ومشاهدة الأخبار السلبية. أعرف كثيراً من الناس يبدءون يومهم بقراءة القصص الصحفية المثبطة، وينهونها بمتابعة أحدث الجرائم والحوادث والفضائح في أخبار آخر الليل.
أنا لستُ ضد الصحف أو التلفزيون بأيٍ حال من الأحوال. فهناك حتماً بعض المعلومات والبرامج المفيدة في الصحف والتلفزيون، لكن هدفي ببساطة هو أن تُصبح أكثر انتقائية في اختيار الأخبار التي تعرضها على عقلك. تأنّ أكثر في طريقة قراءتك لصحيفتك ومشاهدتك للتلفاز.
ومن أفضل الطرق لتخليص نفسك من "إدمان الأخبار" الذي يُعاني منه العديد منا، هو الشروع في صيام عن الأخبار لمدة سبعة أيام. تعّهد بعدم قراءة حتى قصة سلبية واحدة أو مشاهدة تقرير إخباري سلبي على التلفزيون طوال أسبوع. وستلاحظ بعدها شيئين:
أولاً: لن تفوت في الحقيقة كماً كبيراً من المعلومات، فستظل تسمع عن هذه القصص الإخبارية من خلال المحادثات التي تدور في عملك وخلال لقائك بأصدقائك.
ثانياً: ستشعر بهدوء وسكينة أكثر، وبالإضافة إلى ذلك، ستكتشف أن الصيام عن الأخبار لمدة سبعة أيام يقدم كذاك فائدة أخرى: فهو يوفر لك وقتاً أكبر للقيام بالأشياء التي ستحسن في الحقيقة من جودة حياتك.
*****
(روبين شارما).. من كتابه (من سيبكي حين تموت؟)، بتصرف يسير.
نعيم الفارسي
27.01.2019
#اشرع_في_صيام_عن_الأخبار_السيئة
#كتاب_من_سيبكي_حين_تموت
#روبين_شارما

#كتب_قراءة_نعيم_الفارسي