الجمعة، 6 أكتوبر 2017

هل فعلاً ننسى؟! حسن مدن

حين نريد أن نواسي أحداً يعاني من آلام الفقد على أنواعه أو الخيبة أو الهجر نقول له: لا عليك، الزمن كفيل بأن يُنسيك. سيأتي يوم وتنسى فيه كل شيء، ولن تشعر بالألم.
لكن هل فكّرنا، حقيقةً، في السؤال الذي يقول: هل بإمكان الإنسان أن ينسى، خاصة حين يتصل الأمر بوقائع وأشخاص استحوذوا على تفاصيل حياته في وقت من الأوقات؟!
إننا لا ننسى أبداً. صحيح أنّ الألم الناجم عن الفقد والخسارة يتناقص بالتدريج، لكن الشخص نفسه لا ينسى، الواقعة نفسها لا يمكن أن تُنسى. إنّ الذي يحدث بالضبط هو أن الأمور تتوارى إلى منطقة خلفية في ذاكرتنا، أو تتدثر برداء كي لا تُرى، لكنها لا تغادر هذه الذاكرة أبداً. إنها بتوصيف أدق تغفو إغفاءة المسافر، فما تكاد تسمع طرقاً خفيفاً حتى تصحو وتستيقظ نشطة.
نحن لا ننسى، إنما نتظاهر بالنسيان. إنّ رغبة ملحة، مُعذّبة تنتابنا في التحرر من الألم عن الشعور بالفقد مثلاً، هي التي تحملنا على السعي لإقصاء الأمر من الحضور اليومي في أذهاننا، الحضور الدائم. وربما ينجح بعضنا بعد حينٍ من الوقت، بعد طول تدريب في أن يفعل ذلك، لكنه لا يكون بذلك قد نسى.
إن كل ما فعله هو أنه وضع الأمر داخل خانةٍ صغيرة من خانات الذاكرة وأغلق عليه الباب؛ حتى يحصر نطاق الألم الناجم عن ذلك، لكن هذه الخانات كثيراً ما تتفتح من تلقاء نفسها، فنقوم ببذل جهد إضافي لإعادة إغلاقها.
النسيان هو ذاكرة أيضاً. إنه مثلها وسيلة للحفظ. إننا نلجأ إليه وسيلة من وسائل الهروب من سطوة حضور الذاكرة؛ لكنها أشد مكراً منا ومنه. إن ما يحدث هو أن الذاكرة المواربة أو المتوارية، أو المتدثرة برداء، أو القابعة في خانة أغلق عليها الباب، تنبعث من جديد ما أن تنشط محفزات هذه الذاكرة، فنذهل لتلك اللحظة التي تستحوذ علينا فيها ذكرى وجوه وأماكن ووقائع خلنا أننا قد نسيناها تماماً، فإذا بها تعود بكمال وجلال تفاصيلها، لنكتشف أننا لم ننسَ، وأنّ النسيان خديعة ابتكرناها كي نتغلب على الألم الناجم عن الفقد أو الخيبة أو الأذى.
الكاتب البحريني (حسن مدن)، من سيرته (ترميم الذاكرة.. ما يُشبه سيرة).
أبو نور
07.10.2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق