#قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً خالدين فيها لا يبغون عنها حِولا). (الكهف).
#(لا يبغون عنها حولا): "أي: لا يختارون غيرها ولا يُحبّون سواها". وهنا لفتة دقيقة عميقة إلى طبيعة النفس البشرية، تحتاج منا إلى تدبرها. فالنفس البشرية في فطرتها التي خلقها الله بها، تمل وتسأم البقاء على حال واحدة أو مكان واحد، وقد تنتهي إلى الضيق به، والرغبة في الفرار منه! وقد فطرها الله على ذلك، لحكمة عليا تناسب خلافة الإنسان للأرض، ودوره في هذه الخلافة. فهذا الدور يقتضي تحوير الحياة وتطويرها حتى تبلغ الكمال المقدّر لها في علم الله، ومن ثم ركز الله سبحانه في الفطرة البشرية، حُب التغيير والتبديل، وحب الكشف والاستطلاع، وحُب الانتقال من حالٍ إلى حال، ومن مكان إلى مكان، ومن نظام إلى نظام؛ وذلك كي يندفع الإنسان في طريقه، يُغيّر في واقع الحياة، ويكشف عن مجاهل الأرض، ويُبدع في نظم المجتمع وأشكال المادة، ومن وراء هذا التغيير؛ ترتقي الحياة وتتطور، وتصل شيئاً فشيئاً إلى الكمال المُقدّر لها في علم الله.
وأما الجنة، فهي دار الكمال المطلق، فإن هذه الفطرة لا تقابلها وظيفة، ولو بقيت النفس بفطرة الأرض، وعاشت في هذا النعيم المقيم؛ لانقلب النعيم حجيماً لهذه النفس بعد فترة من الزمان، ولأصبحت الجنة سجناً لنزلائها يودون لو يغادرونه فترة، ولو إلى الجحيم، ليرضوا نزعة التغيير والتبديل! ولكن بارىء هذه النفس -وهو أعلم بها- يحول رغباتها، فلا تعود تبغي التحول عن الجنة، وذلك في مقابل الخلود الذي لا تحول فيه ولا نفاد.
المفكّر (سيّد قطب)، رحمه الله، (١٩٠٦-١٩٦٦م)، من تفسيره (في ظلال القرآن)، بتصرف كثير.
أبو نور
30.06.2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق